ابو البراء مدير المنتدى
عدد المساهمات : 1047 تاريخ التسجيل : 08/10/2009
| موضوع: أولا : منهج التقاليد الطبيعية - الرومانتيكية 5/1/2011, 7:25 pm | |
| مناهج الفيلم التسجيلي
| تنقسم الأفلام التسجيلية بشكل واسع إلى أربع مناهج ، تتطلب كل منها تقديرا منفردا ، حيث أن كل منهج ينتج من تناول مختلف للمادة الموجودة :
| أولا : منهج التقاليد الطبيعية - الرومانتيكية : | وهي أول منهج من مناهج الأفلام القصيرة ، وتشمل التقاليد الطبيعة أو الرومانسية في الأفلام التسجيلية . فأستخدام المنظر الطبيعي والبيئة المعتادة قد وجدت مكانا في السينما الروائية في مراحلها المبكرة ، وما زال المنظر الخارجي حتى الوقت الحاضر يلعب دورا هاما في كثير من الأفلام الروائية ، إلا أن مثل هذه المادة الواقعية كانت لا تستخدم إلا كخلفية تلعب شخصيات القصة أدوارها أمامه ، ولم يكن يعتبر ذا أهمية أولية لذاته ، وقد بذلت محاولة ضئيلة للربط بين الشخصيات والبيئة الطبيعية المحيطة ، ولكن نادرا ما كانت القصة مرتبطة بالبيئة ، والمواقف الروائية وأبطالها الخياليون مفروضون على هذه الخلفيات ويتم الفصل بينهما عن طريق مناظر الأستوديو ، والأزمة الدرامية لا تنبع من السمات الطبيعية للبيئة المحيطة ، بل من الميول والدوافع الشخصية لشخصيات الرواية المختلفة ، وعادة تختار الخلفية وكذلك الموضوع لمجرد أهميته الذاتية . وتعتبر بعض أعمال جريفيث الأولى استثناء من هذه الملاحظة من ناحية اعترافه بقيمة العناصر الطبيعية التي تقوى التجارب العاطفية للشخصيات ، ومثال ذلك الجليد والثلج في فيلم الطريق شرقا Way Down East ، والخلفية الطبيعية في أفلام ماري بيكفور الأولى .
| وكان الاستخدام الأكثر أهمية للخلفية الحقيقية في أمريكا في أفلام الويسترن التي ظلت سنوات عديدة تقدم ترفيها شعبيا للعالم أجمع ، ومع ذلك كان اختيار المادة الطبيعية يحتل مكانا ثانويا في هذه الأفلام بالنسبة للمنظر المثير لضرب النار وحيل رعاة البقر. ولم تقتصر التقاليد الطبيعية على مناظر أفلام الويسترن ، فالسياحة والمغامرة كانت تجذب المصورين المتجولين ، الذين يعودون من رحلاتهم بتسجيلات رائعة للحياة الغريبة في أركان العالم البعيدة والتى كانت تسهم في تثقيف سكان المدن وإرضاء فضولهم .
| ولم ينقذ روبرت فلاهرتي من مصير هؤلاء المصورين المتجولين سوى موهبة فطرية للتصوير وعينه التي تستطيع أن تلحظ الجانب الدرامي الجوهري في صراع الإنسان ضد الطبيعية. فقد اصطحب فلاهرتي كاميرا خلال إحدى الرحلات التي قام بها في خليج هدسون Hudson Bay ، ولكن أتت النار على ما كل ما قام بتصويره في أول الأمر، لكنه قام عام 1920 بزيارة لحساب إحدى الشركات التي تتاجر في الفراء، وهناك عند مصب أحد الأنهار استقر رأيه على أن يخرج فيلما عن الإسكيمو، باسم " نانوك Nanook" مستخدما أحد صيادي بقر البحر كشخصية رئيسية في الفيلم.
| روبرت فلاهرتي
| فيلم "نانوك" Nanook: | اختلف هذا الفيلم الذي أخرجه فلاهرتي عن الإسكيمو , عن الأفلام ذات المادة الطبيعية التي سبقته وأيضا عن كثير من تلك الأفلام التي أعقبته من ناحية بساطة شرحه للحياة البدائية التي يعيشها الإسكيمو، والتي ظهرت على الشاشة في تصوير بديع قبل عهد الأفلام البانكروماتك Panchromatic ، وامتاز أيضا بفهمه التخيلي الذي يكمن خلف استخدام الكاميرا ، فقد أبرز المشكلة الجوهرية للمياه في تلك المناطق القطبية ، وهي "الكفاح من أجل القوت" عن طريق لقطات اختيرت ببراعة وعن طريق شعور صادق بالمصالح الجماعية لشعب الأسكيمو ، ومن ذلك ظهرت قوة ملاحظة فلاهرتي أعظم من الشرح المجرد الذي قدمه المصورون الطبيعيون الآخرون . فلم يظهر الفيلم مجرد الكفاح اليومي الذي يخوضه شعب الإسكيمو من أجل الحياة، بل أوضح أن تقدم المدنية يتوقف على مقدرة الإنسان المتزايدة في جعل الطبيعة تخدم غرضا معينا ، وعلى مهارته في إخضاع العناصر الطبيعية لكي تحقق أهدافها. ولذلك يقال إن السينما لم تتناول موضوعا بشكل أكثر بساطة من عرضها كيف يبني نانوك كوخه الثلجي , رغم احتواء الموضوع على الجانب الإرشادي . وباختصار، فإن هذا الفيلم قد خلق تناولا جديدا تماما للمنظر الحي مشكلا الأساس لمنهجٍ , عمل فلاهرتي فيما بعد على تطويره .
| فيلم نانوك سنة 1920
| وقد عرف النجاح التجاري الذي حققه فيلم نانوك فلاهرتي بأقطاب السينما ، فتعاقدت معه بارامونت Paramount Pictures Corporation على الذهاب إلى البحار الجنوبية ليعود بنانوك آخر، وكان هذا هو المدى الذي يمكن للعقول التجارية الساعية وراء الربح أن تصل إليه في مجاراتها للمفهوم الطبيعي في الأفلام . والحقيقة أن فلاهرتي أرسل على أمل أن يعود بصور النساء العاريات ، فتلك هي الخدمة الرئيسية التي يستطيع أن يقدمها السكان الأصليون لمنتج الفيلم . ولكن بدلا من ذلك عاد فلاهرتي وقد ألف قصيدة حساسة عن سكان جزر ساموا Samoa ، بأسم موانا Moana , أوضح موضوعها كيف لجأ السكان الأصليون كي يؤكدوا رجولتهم إلى خلق طقوس رسمية مؤلمة ، هي الوشم .
| فلاهرتي، أثناء تصوير فيلم موانا 1926
| وقد حظي فيلم موانا Moana باهتمام أكبر مما حظي به نانوك من قبل : | أولا : لبداية حركات الكاميرا الخلابة التي تحققت بشكل أكبر في أعمال فلاهرتي التالية ، وفيه كانت بداية الإحساس بروعة الأشياء الطبيعية ، أما من ناحية التصوير، فإن هذا الفيلم يعتبر أول فيلم طويل ينتج بإستخدام أفلام البانكروماتيك Panchromatic (فيلم أسود وأبيض، حساس لجميع ألوان الطيف البصري).
| ثانيا : الأهم من هذا أنه أظهر بوضوح مناهج فلاهرتي الخاصة في العمل ، وقد قال عنه جريرسون: "أصبح من المبادئ المقررة أن تنبع القصة من البيئة وأن تكون هي القصة الجوهرية لهذه البيئة، فإن الدراما عند فلاهرتي إذن هي دراما الأيام والليالي، ودورة فصول السنة والصراعات الأساسية التي تضمن لشعب مقومات الحياة أو تكفل الكرامة لقبيلته ."
| وبمعنى آخر: |
أن مادة الموضوع يجب أن تستخلص من مصدرها الأصلي ويستوعبها العقل قبل البدء في إنتاج الفيلم فعلا، وقد كان هذا نادرا في أفلام السياحة التي سبقت أو عاصرت نانوك وموانا.
|
- أن المادة المستخدمة في الفيلم بينما تصور من واقع الحياة، وهي بذلك واقع مسجل ، إلا أن اختيار اللقطات حسب إدراك واعٍ لأهميتها يجعل الفيلم تعبيرا دراميا خاصا عن الواقع ، لا مجرد وصف مسجل.
| وقد عرضت شركة بارامونت فيلم موانا على الجمهور على أنه يمثل الحياة الغرامية لفتاة البحار الجنوبية ، ومهدوا له بعدة فتيات شبه عاريات يرقصن مع النغمات الصاخبة . أما فلاهرتي ، الذي ساءه هذا الموقف من عمل استغرق منه عامين من الجهد الشاق ، فقد حاول أن يكون تاجرا نظيفا بأن عرض موانا في ست مدن كبرى بالولايات المتحدة ، بعد أن لجأ إلى حشد الهيئات التعليمية ليكونوا جمهوره في دور العرض ، وقد أذهل هذا رجال صناعة السينما ، ولكنهم لم يفطنوا لمغزى ذلك الأمر، فقد كان المنهج التسجيلي كتاب مغلق أمام أقطابهم .
|
| |
|