ابو البراء مدير المنتدى
عدد المساهمات : 1047 تاريخ التسجيل : 08/10/2009
| موضوع: رابعا: منهج التقاليد الدعائية 5/1/2011, 7:23 pm | |
| رابعا: منهج التقاليد الدعائية : | سبق أن لاحظنا صلاحية الفيلم الخاصة كوسيلة للدعاية، لذلك لا يدهشنا أن نجد أنه جنبا إلى جنب مع تطور الفيلم التسجيلي، كان هناك ميل متزايد للتوصل إلى قدرة الفيلم على الاستمالة والاستفادة منه . ونلاحظ أنه بينما ظلت السينما التي تخدم أهداف الربح تلتزم بالتقاليد المسرحية ، فإن السنيما التي تابعت أهداف الدعاية والاستمالة يرجع إليها فضل كبير في منهج الفيلم التسجيلي . ولا شك أن السينما كأداة للدعاية السياسية قد شكلت المدرسة السوفييتية وطبعتها بطابعها الخاص .
| وتنقسم هذه المدرسة إلى فروع مختلفة بحسب البلاد التي ظهرت فيها : | 1. الفيلم السوفييتي :
| كانت للسينما السوفييتية في طورها الأول أيديولوجية، أو منهجا في التفكير يختلف تماما عن ذلك الخاص بالإنتاج الأوروبي والأمريكي، فهدفها الكامل هو الدعاية بأقوى معانيها للاتحاد حديث التكوين ، فقد أملت الدولة أن تستميل شعبها ، وترشده إلى المعتقدات الاجتماعية الجديدة بأن تعرض على نطاق واسع أفلاما درامية تستعيد الأحداث والظروف التي استحثت ثورة العمال أو أسرعت بقيامها . واعترفت بالسينما كأداة لها خواص إقناعية لا تضارع ، وطالما كانت تعبر عن الهدف الأساسي بوضوح وحيوية ، كانت تتاح للفنان حرية حرفية ملحوظة ، ولا شك أن نقص المواد الخام وندرة الأجهزة بالإضافة إلى هجرة الكثير من السينمائيين قد حفزت إلى التجربة ، لكن الدافع السياسي كان الملهم للقوة الحقيقية والحيوية للأفلام السوفييتية الأولى الجيدة . لقد اقتبست العديد من الأفلام الأولى أساليب المسرح وأفكاره ، وكانت تلك الأفلام مماثلة للأفلام الروائية الأمريكية والأوروبية ، وإن كانت أكثر منها ركاكة وفجاجة . ولكن حيوية موضوعاتها إلى جانب مغزاها المعاصر ومقتضيات البيئة الواقعية ، دفعت إلى الانطلاق بعيدا عن السوابق المسرحية ، وأوحت بتجربة مع السليلويد نفسه .
| ويرجع الفضل في هذه المحاولات الأولى إلى كل من كوليشوف وفيرتوف . وذلك بما قام به الأول من تجارب علمية تتعلق بتداعي الصور ، وما قام به الثاني من صياغة مادة الجرائد الإخبارية لتحقق هدفا أعظم من مجرد وصف الحدث ، ويكفي أنه من هذه النظريات نبتت أفلام أيزنشتين وبودفكين الثورية الكبرى ، المدرعة بوتمكين ، أكتوبر ، الأم ، نهاية سانت بطرسبورج ، تلك الأفلام التي استفادت من المنظر الحي سواء كجزء مكمل للقصة أو كباكجراوند يمكن استخراج النماذج العادية منه. وقد اختار بودفكين منهج استخدام الأفراد فقد استعمل الممثلين أحيانا للتعبير عن روح الجماهير, بينما استخدم أيزنشتين في أفلامه الثلاث الأولى الجماهير ككل ليعبر عن موضوعه بشكل غير شخصي . وقد استفاد كلاهما من المنهج العلمي لعمل مونتاج المادة الذي انبعث من التجارب المتقدمة لكوليشوف ، كما عمل كلاهما - إيزنشتين وبودوفكين - على تطويره .
| فقد سمعنا عن المفهوم الأيديولوجي أول مرة في فيلم أكتوبر الذي تناول النتائج والشخصيات السياسية المتعلقة بالأحداث التي وصلت إلى ذروتها في ثورة العمال سنة 1917. ففي ذلك الفيلم استفاد ايزنشتين من درايته الممتازة بالحرفية السينمائية في صياغة شكل جديد تماما للسينما. وقد كتب عن سيناريو الفيلم يقول " إنه يصور الذكرى السنوية العاشرة لثورة أكتوبر ودور السينما هى في وصل الفترة بين ثورة فبراير وثورة أكتوبر، أى أنه يتكون من مادة تاريخية".
| فيلم أكتوبر
| ومن أجل هذه المادة كان على إيزنشتين أن يعتمد بشكل واضح على إعادة تشييد المناظر والحوادث التي حدثت قبل ذلك بعشرة أعوام. ولكنها يمكن أن تمثل بقدر كبير من الإتقان وقليل من المساعدة الاصطناعية. ولما كان الهدف السياسي هو غرض كل من المخرج والقوى المسيطرة على الإنتاجى، فإن فيلم أكتوبر يتكفل باختيار الأحداث والشخصيات الواقعية وتقديمها، لا من أجل الوصف التاريخي المدقق ، وإنما من أجل التعبير عن وجهة نظر محددة مع تقدير سياسي محدد لأحداث سنة 1917. لذا سيفطن المتفرج إلى إغفال تروتسكي ، ولم يستخدم المخرج الأشكال البسيطة للبناء الدرامي فحسب ، بل واستخدم أيضا الملاحظات الساخرة والهزلية بطريقة تدل على دهاء . كل ذلك كي يستميل المتفرج إلى تقبل الحقائق من الناحية السياسية المرغوبة ، ومن هنا صور شخصية تروتسكي بطريقة ساخرة ممتازة.
| قد نقول إن هذا مجرد نتيجة للهدف الدعائي . نعم ، ولكن أكثر من هذا أنه خلق شكلا من التناول التسجيلي يضفي معانٍ جديدة على الأشياء المعتادة، فهو لا يقدم الأشخاص والأشياء كما هم ، بل يربطهم ببيئتهم بطريقة تجعلهم يتخذون لأنفسهم مغزى جديدا . إن قوى الفيلم تحول الأحداث الواقعية والظواهر إلى مادة يمكن تشكيلها لتتخذ مغزى يختلف تبعا لهدف المخرج ، وفي حالتنا هذه فإنه يخدم هدفا سياسيا عن طريق معالجة جدلية .
| ومن وجهة النظر التاريخية تطلب الطور الثاني في السينما السوفييتية موضوعات تبرز الضرورة العاجلة للبناء الاجتماعي والاقتصادي طبقا لخطط مشروع السنوات الخمس الأولى ، موضوعات توحي إلى عقل الفلاح والعامل عقيدة تهون في سبيلها أية تضحية ، ولا يعلو عليها أي حماس . فيجب أن ينفذ المشروع بأي ثمن . إنه موضوع غني بين الموضوعات السينمائية ، لكنه من ناحية وضعه في القالب الدرامي أصعب من الموضوعات الثورية السابقة . وفي معظم الحالات تناولت الأفلام اندثار القديم وظهور الجديد وانتصار النظام الجديد على المعتقدات القديمة ، واستمالة الفلاح المؤمن بالخرافات ، وباختصار فقد تناولت الأفلام مشكلات بلد يتعلم في هذه المرحلة.
| إن أفلام "الأرض" و"الخط العام" و"تيركسب" تستلفت الانتباه بتجنبها النتائج أكثر مما تفعل ذلك بنجاحها. إن دوفيشنكر، وإن كان فنانا فقد تنصل من الموضوع الحقيقي لفيلم الأرض بالهروب إلى تعمق رومانتيكي بالطبيعة جميل وحساس من الناحية الفنية ، ولكنه ذا معنى تافه من الناحية المادية . كما يبدو أن أيزنشتين قد اكتشف ضآلة اهتمامه الحقيقي بتجميع المزارع ، فاستعمل الصواريخ الحرفية التي أذاعت شهرته في الخارج .
| فيلم تركسب
| وتيركسب Turksib فيلم صامت طوله حوالي ساعة ونصف ، أنتج سنة 1929، سيناريو وإخراج فيكتور تورين ، تصوير سلافنسكي وسراسيسون إنتاج فوستوك فيلم . وهو مجزأ إلى أجزاء كل منها يعالج ناحية من نواحي المشروع ، فالفصول الأولى أبرزت الحاجة الماسة إلى خط السكة الحديد ، لكي يصل بين المناطق الشمالية والجنوبية ، مبينا الصعوبات الناشئة عن طرق النقل والري البدائية القديمة ، وتبع ذلك مشاهد وصول رجال المساحة وجمع المواد الخام اللازمة للعملية وتقدم العمل في مد الخط الحديدي عبر الأرض الخراب، وبعد ذلك ظهور أول قاطرة ضخمة بين الجمال والخيول ، ثم انتصار الإنسان والآلة على الطبيعة حتى نصل في النهاية إلى الأمل في افتتاح الخط في 1930.وقد امتاز الفيلم بالمونتاج البارع ، وبروز الجانب الدرامي، وخاصة في المناظر الآتية : العاصفة الرملية، وصول المياه من الجبال إلى الأراضي المخفضة ، السباق بين القاطرة الأولى وراكبي الخيل والثيران من رجال القبائل ، كما تميز بالاستخدام الوظيفي للعناوين .
| وهنا نرى أن فيلم "تيركسب" Turksib حدد التناول السوفييتي للفيلم التسجيلي البحت ، فقد نبذ الشكل الروائي كلية ، وأسبغ الثوب الدرامي بأسلوب عظيم على الحاجة الاقتصادية إلى خط سكة حديد تركستان ـ سيبريا ـ وعلى مد هذا الخط . وعرض مشكلة تنتج عن الصفة الجغرافية الاقتصادية للمناطق المذكورة ، بأسلوب تأثيري أضفى جو درامي على جميع المواد لبناء خط السكة الحديد ، وانتهى بشكل دعوة إلى ضرورة مد الخط خلال فترة معينة . إن فيلم "تيركسب" من ناحية الأسلوب الحرفي ومن ناحية تناوله لموضوعه يعتبر بداية منهج جديد للفيلم التسجيلي . ولربما كان له أثر على التطورات اللاحقة أكثر مما لأي فيلم آخر دون استثناء فيلم روتمان ، ولقد قوبل بحماس صادق ، لا من الاتحاد السوفييتي فحسب ، بل من مئات عديدة من أطفال المدارس في بريطانيا ، الذين أصبح لهذا الخط الحديدي في نظرهم منذ ذلك الوقت أهمية تعادل أهمية أي شيء في بلادهم .
| وهكذا أوجد التناول السوفييتي للموضوع والمنظر الحي ، ذلك التناول الذي تلهمه أيديولوجية نظام سياسي واجتماعي جديد ، أشكالا جديدة للبناء الحرفي وتعبيرات جديدة عن المادة الطبيعية مما أوجد أساسا جديدا لإنتاج الفيلم التسجيلي . وفي الحقيقة كان التناول السوفييتي للموضوع الحي والمنظر الحي تقدما واضحا تماما على المناهج الحرفية للمدرسة الرومانتيكية ، وذا أهمية أعظم بالنسبة للحاجات الحديثة عن الصراع القديم للإنسان ضد الطبيعة أو النماذج التأثيرية للواقعيين الأوروبيين ، وسنرى فيما بعد كيف أن هذه المدرسة الهامة للإنتاج الدعائي قد أسست تناولها للموضوعات على المنهج الجدلي ، ونبذت المفهوم القديم القائل بأن الأفكار أكثر قيمة من الحقائق المادية ، وبينت بشائر تقاليد جديدة في الفيلم التسجيلي هي الشكل الجدلي .
|
| |
|