ابو البراء مدير المنتدى
عدد المساهمات : 1047 تاريخ التسجيل : 08/10/2009
| موضوع: المخرج والمكان 5/1/2011, 7:29 pm | |
| المخرج والمكان
| ترجع خصوصية المكان في السينما إلى المقدرة الفائقة على نقل مكان الحدث بكل ما يحمله من صفات، ومن أشياء ساكنة ومتحركة، ومقدرتها على نقل ذلك من زاوية ساكنة أو متحركة، أي من زاوية الواقف أو السائر أو الراكب... الخ. | ويشكل المكان عنصرا هاما في الفنون والآداب بشكل عام، وفى الفن الروائي بشكل خاص، ولأن الفن الروائي يعتمد على عنصرى الزمان والمكان، فهو أقرب إلى طبيعة السينما، هذان العنصران اللذان يمكن اعتبارهما الرافدين الأساسيين للوعي المعرفي للإنسان. | والحقيقة الأولى في السينما هى المكان، والتي لا يمكن الاستغناء عنها على مستوى الفيلم أو على مستوى المشهد أو اللقطة السينمائية التي لا يمكن تفريغها من محتواها المكاني، فالشخصيات تظل دوما موجودة في مكان شاغلة حيزا منه. ومع ذلك فهو ليس مجرد الوعاء الحاوي للحدث سينمائيا، بل هو تلك الطاقة المحركة للشخصيات، وبنيتها المحركة الفاعلة والمشكلة للمجتمع الذي تعيش فيه، والبيئة التي تتصارع للبقاء فيها أو البعد عنها واقعيا وفنيا. | لهذا كله يجب أن يأخذ المخرج السينمائي بعين الجد الدور المكاني في تلك العملية كبناء تحتي للأحداث الحياتية والشخصيات الإنسانية الموجودة في الواقع، بناء يبنى عليه واقعه الفني هو, سواء كان هذا الواقع المتصل بالعمل الفني حقيقيا أو متخيلا، أيضا لابد أن يحاكى ذلك التأثير بصورة أو بأخرى حتى يكون الناتج النهائي لعمله واقفا على أرض صلبة من العلاقات قابلة للمصداقية، ومن ثم يكون قادرا على التأثير في وجدان المشاهد وعقله، وهو الهدف النهائي من أي جهد إبداعي فني. | ويعتبر المكان ذا شخصية متميزة، لها أبعادها المادية والاجتماعية والنفسية كأي شخصية اعتبارية. فأبعاده المادية تتمثل في شكل المكان المعماري وموقعه الجغرافي وصفاته المعمارية والتي يتأثر بها وتميزه دون سائر الأماكن الأخرى، أما البعد الاجتماعي فيتمثل في المستوى الاجتماعي للمكان والعلاقات التي ينشئها بصفته التاريخية والاجتماعية بين قاطنيه، ويتمثل البعد النفسي في تأثيره على شاغليه وموقفهم النفسي منه. ويخوض المكان صراعه من خلال طبقته ضد الطبقات الأخرى بشكل صراع مكان ضد مكان، فالأماكن الشعبية تطرد إلى الأماكن الأرستقراطية أبناءها البرجوازيين المتطلعين إليها حال تمكنهم من ذلك. كما يصارع المكان الظروف الطبيعية مثل الزلازل والأعاصير . | ويوظف المكان في السينما على عدة مستويات، منها الدرامي، والأيديولوجي، والتشكيلي: | أولا: على المستوى الدرامي: | يقوم المخرج بالبحث عن المكان الذى يمكن أن يشارك في خلق التأثيرات الدرامية من تشويق، ومفارقة، ومفاجأة، وانقلاب درامى، وتمويه... الخ. فتغير الخلفية التى تتحرك فيها الشخصيات، بالإضافة إلى مفردات الصورة الموجودة فى مقدمة الكادر، كل ذلك يشارك فى خلق هذه التأثيرات الدرامية. | وتوظيف المكان لتحقيق التأثير الدرامي المطلوب يتطلب من المخرج أن يقوم باختيار المكان بعناية فائقة، سواء كان هذا الاختيار لأماكن موجودة في الطبيعة أو تم بناءها خصيصا من أجل هذا الغرض. وعلى سبيل المثال، في فيلم "حياة أو موت" استغل المخرج كمال الشيخ المكان، وهو شوارع القاهرة في الخمسينات، في خلق جو درامي مفعم بالتشويق، وفى نفس الوقت تمكن بمهارة واضحة من جعل هذا الفيلم سجلا حقيقيا يمكن الرجوع إليه لشوارع القاهرة في ذلك الوقت. | ثانيا: على المستوى الأيديولوجي: | تتحول الأفكار الأيديولوجية إلى رسائل شفرية بين الأفراد، تنتقل بوسائل الاتصال المختلفة، ومنها السينما، وتتحول هذه الرموز symbols أو الرسائل الشفرية codes, إلى إشارات وعلامات دالة signifiers على معنى كامن داخلها من الناحية الفكرية، وتشترك الصورة السينمائية بوصفها علامة تشترك مع باقي العلامات (أو الرموز) من الصور الأخرى في حمل الشفرات الكامنة وراء معنى الصورة من المخرج إلى المتفرج المتلقي، ولكنها تحمل في طياتها مضامين أعمق تشكل معانٍ على عدة مستويات من التلقي. | وعلى سبيل المثال، نجد أن فيلم البداية، للمخرج صلاح أبو سيف، يحمل الكثير من الرموز الفكرية والسياسية، ويتمثل رمز العودة إلى منطقة من الجهل تسبق حتى على الثورة الزراعية لدى الإنسان، في صورة الصحراء التى يفتح عليها الفيلم، ثم الواحة، وفى نفس الوقت الحياة على جمع الثمار (البلح)، يفيد هذا الرمز أن الإنسان تعرض لهذا النوع من التسلط منذ بداية التكوين، وأن هذه الطريقة فى سيطرة طبقة معينة هى طريقة أزلية، وسوف تظل سائدة طالما أعطيناها الفرصة، وطالما سادنا الجهل والتهاون إزاء حقوقنا. | ثالثا: على المستوى التشكيلي: | تعتبر فنون التصوير والعمارة أساسا أشكالا فنية مكانية، حيث أنها جميعا تعتبر كتلة فى الفراغ، كما أنها لا تتغير بين لحظة وأخرى، وهذا على العكس من الموسيقى، فهى فن زمنى فى الأساس، لأنها تعتمد على التتابع والتغير فى الزمن. أما الفيلم، فلأنه يخلق سلسلة من الصور التى تتميز بالتغير اللحظى رغم أنها مكانية، فهو يعتمد على البعدين كليهما، الزمان والمكان. وفى كتابه فن السينما، يقول رودولف أرنهايم: لأن الفيلم لا يحتاج عُمقا فى الأبعاد لكى يُعرض، ولأن الأحجام والأشكال فيه تفقد أبعادها الحقيقية من ناحية النسبة والمنظور، فإن إنتباه المتفرج ينجذب إلى النموذج ثنائى الأبعاد لكتلة الخطوط والظلال. وفوق ذلك، يشير أرنهايم إلى أنه ما دامت الأبعاد الثلاثة للأجسام يتم بثها على شاشة مسطحة، فإنها تصبح عناصر يتركب منها المسطح. إذن، فالصورة الفيلمية تجذب انتباهنا إلى ما فيها من عناصر تركيبية شكلية أكثر مما يفعل العالم الذى نراه حولنا، رغم أننا نرى الصور ممثلة للحقيقة ثلاثية الأبعاد فى نفس الوقت |
| |
|