ابو البراء مدير المنتدى
عدد المساهمات : 1047 تاريخ التسجيل : 08/10/2009
| موضوع: المخرج والمكان 5/1/2011, 7:16 pm | |
| وكما أن ترتيب الخطوط والكتل والأحجام والأشكال والعلاقات المكانية، أثناء خلق صور مشبعة جماليا، ينتج صورا تمثل حقيقة واقعنا، فإنه أيضا يدعم مواقف درامية، وحالات نفسية، وأفكارا موضوعية. وتساهم العلاقات المكانية للشخصيات، مع بعضهم البعض، ومع البيئة المحيطة بهم، فى فهمنا وردود أفعالنا لما يجرى على الشاشة. إن كمية الحيز الذى تشغله الشخصيات، أى المساحة التى تأخذها من الشاشة، الحجم النسبى لهم وموقعهم بالنسبة للناس والأشياء، كل ذلك يجب أن يختبره المخرج مقدما. ولأن الحيز ليس ثابتا مع استمرار الصور فى الحركة والتغير، فمن الممكن توظيف مواقع وزوايا جديدة للكاميرا لخلق تنويعات حيوية من زوايا الرؤية، بالإضافة إلى توصيل المعلومات من خلال العلاقات المكانية المتغيرة من لقطة إلى أخرى. فعندما تقطع الكاميرا من مشهد لآخر، تصبح العلاقات المكانية هامة، فإما انتقال ناعم، أو قطع مفاجئ يحدث صدمة عند المتفرج، ويكون تأثيره إما توكيدا لعلاقات، أو تباينات بين المشاهد. | وتمثيل الصورة للحقيقة المكانية يخلق لنا ـ بالإضافة إلى انطباع بعالم واقعى ـ إحساسا بالانغماس والتورط، وكأننا نحن أنفسنا نتحرك داخل المشهد بكامله. هذا الشعور بواقعية المكان والعمق الذى يخلقه من خلال الصورة المسطحة ثنائية الأبعاد، عن طريق تأليف المشهد بطريقة تبرز المسافات المختلفة وتباين بينها: حيث تختلف زوايا الكاميرا، ومسافات كل لقطة، فى الوقت الذى يتحرك فيه كل من الكاميرا والممثلين داخل كل موقع، حتى يبدو للمتفرج أنه أيضا يتحرك داخل حيز المشهد. | لكن الأمر لا يقتصر على الدلالة والمعنى، كما لا يقتصر على التقليد الفوتوغرافي للحياة، ولكن على جماليات التشكيل، فالتصوير الفوتوغرافي في ذاته خرج عن كونه شريحة مقتطعة من الحياة إلى آفاق أكثر رحابة وانطلاقا وتعبيرا عن ذات المخرج بما أتاحته العدسات، والمرشحات ، وكذلك التأثيرات المعملية من قدرات في يد المصور، وأول مناطق الشحنة الوجدانية له هو المحتوى الداخلي للقطة أي العنصر المرئي، بكل ما يحتوى عليه من ألوان، وكتل ومساحات، وإضاءة .. الخ. وترتبط تلك الشحنة الوجدانية بمضمون اللقطة، وتؤثر بالتالي في الشكل الذي تتخذه. | والأفلام التي يمكن اتخاذها نموذجا على المستوى التشكيلي كثيرة في السينما العالمية، لكن في السينما المصرية أشهرها بالطبع فيلم المومياء، إخراج شادي عبد السلام، وهو الفيلم الذي تعتبر كل لقطة من لقطاته لوحة تشكيلية بديعة التكوين. | والمكان في السينما له أكثر من مفهوم: | أولا: المكان الطبيعي الذي يحدث فيه التصوير، سواء كان مكانا طبيعيا بالفعل أو موقع تم بناؤه خصيصا من أجل التصوير. | ثانيا: المكان المقتطع من المكان الطبيعي داخل الكادر السينمائي، بما يحوطه من إطار يقتطعه المخرج ويقدمه كنموذج للعالم الخارجي. ولكي يتم ذلك توضع الكاميرا في حيز مكاني من هذا العالم الفيلمي، ومن هنا تتدخل عوامل عديدة في تحديد المحتوى المكاني للكادر، وهى: وضع الكاميرا set up، والعدسة lens، وطريقة الإضاءة lightening، وعناصر التكوين composition، والكادر frame، والطبيعة الجغرافية لموضوع التصوير، والحركة سواء الناتجة عن حركة الكاميرا أو الناتجة من الموضوع. وتمثل هذه العناصر مجتمعة فيما بينها علاقات مكانية متصلة بالأبعاد المكانية تجاه الموضوع المصور ذاته. | وعلى سبيل المثال يشمل وضع الكاميرا بالنسبة لموضوع التصوير عنصرين: | الأول : هو زاوية الكاميرا بالنسبة للموضوع على المستوى الرأسي، وهو ارتفاع الكاميرا بالنسبة لموضوع التصوير، وفى الأحوال العادية ينقسم هذا إلى ثلاث مستويات: زاوية فوق النظر High angle، زاوية في مستوىالنظر Eye level angle، زاوية تحت النظر Low angle، ولكل من هذه المستويات الثلاثة دلالة بصرية تختلف عن المستويين الآخرين حتى في ثبات العوامل الأخرى أو تغيرها، ويرجع الاختلاف في الدلالة إلى الاختلاف في المكون البصري داخل حدود الكادر.
| الثاني : تحريك الكاميرا ثم التصوير ثم تحريكها في جهة مغايرة ينتج وبالحتم عالما مصورا مغايرا في كل مرة ، وهو ما يمكن أن يشغل حيزا مغايرا في المكان، ويترتب عليها بالتالي العديد من الأطر التي تشكل حيزا فيلميا، بل من نفس الموضع، وتلك هي الخاصية التي يجب أن نأخذها في حسباننا، إنها أشبه بالحركة الطبيعية لرأس الإنسان في المرور البطيء على عدد من نقاط الانتباه أو الانتقال السريع من نقطة انتباه لأخرى مخالفة تماما.
| وتشارك في الحصول على التأثيرات المختلفة للمكان داخل الكادر نوع العدسات المستخدمة والتى تشكل رؤية المخرج للموضوع، وطريقة إضاءته, والكادر هو الإطار الحاوي للجزء الذي تم اقتطاعه من العالم المادي. | ثالثا : عناصر التكوين: وهى تلك العناصر التي يقتطعها المخرج من امتدادها الطبيعي في المكان ليعيد هو تنسيقها بالحذف أو الإضافة أو تصويرها كما هي مع إضافة بعض العناصر السابقة أو كلها، كل ذلك من خلال تلك الحرية التي تبيحها مساحات الإبداع له للتعبير عن العالم الواقعي من خلال ذاته وإحساسه وفكره، فيخرج العمل الفنى في النهاية متضمنا الدلالات والرموز الحاملة للشفرة التى يعبر بها المخرج عن رؤيته لهذا العالم. لكن فى نفس الوقت، نجد أن الكاميرا أيضا، وخاصة عندما تكون متحركة، لها رؤيتها ـ المتوقفة بالطبع على رؤية المخرج المحرك ـ وتتوقف رؤية الكاميرا على حسب ما تستعرضه أو تستقطعه من المكان المادى الطبيعى، كما تتوقف على درجة أداء حركة الكاميرا في المكان من حركات رأسية وأفقية تكسبه اتصالا واستمرارية، فيعطى الإحساس بأنه ليس متوقفا على الإطار الذى نراه أمامنا. | كل العناصر السابقة ترتبط معا لتشكل المكان السينمائي الذي يتحول إلى علامة أو دلالة لما هو أبعد وأعمق من العلاقة التصويرية التشكيلية، ويرتبط ذلك بدلالات النتاج الثقافي والتي يجعل منها توظيف المكان هنا المادة الخام التي يشكلها المخرج ليستخرج منها - بعد أن يضيف ذاتيته إليها - نسقه الدلالي، وبهذا يتحول ذلك النسق عند مخرج بعينه في مكان وزمان بعينهما مخالف تماما لنتاجات مخرج آخر معاصر له، في نفس النطاق من الأنساق الثقافية. | ولما كانت الصورة السينمائية تتكون من العديد من العناصر المرئية داخل الكادر السينمائي، فهي تتميز بالاشتراك في الوجود الزمكاني داخل إطار الكادر، ليصبح هذا الإطار بدوره حيزا مكانيا لتلك العناصر المرئية المشاركة في تكوين اللقطة السينمائية، ويصبح الإطار بمحتواه المكاني الداخلي نموذجا للعالم الخارجي.
|
| |
|