فرس النهر
فرس النهر، و الذي يُسمى أيضا فرس النهر المألوف حيوان إفريقي ضخم عاشب. إجمالا يعد أحد النوعين المتبقيين على قيد الحياة اليوم من فصيلة البرنيقيات (الآخر هو فرس النهر القزم). يعرف فرس النهر باللغة العربية أيضا بالبرنيق وسيد قشطة كما يسمونه في مصر، و يشتق اسماه اللاتيني والإنكليزي "هيبوبوتاموس" (Hippopotamus) و العربي من اليونانية ( ἱπποπόταμος ) حيث أن "هيبو" (باليونانية : ιππος) تعني حصان و "بوتاموس" ( باليونانية : πόταμος ) تعني نهر.
فرس النهر حيوان نصف مائي وهو يستوطن البحيرات و الأنهار في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وقد إمتد موطنه في السابق عبر وادي النيل وصولاً إلى فلسطين و الأردن شمالاً. تعيش أفراس النهر في مجموعات يبلغ عدد أفرادها حوالي 40 رأسا، وهي تبقى معظم النهار في الماء أو الوحل حتى تتبرّد. يحصل التزاوج و الولادة في الماء حيث تقوم الذكور الإقليمية بالتقاتل مع بعضها للسيطرة على مجال صغير من النهر، و تخرج أفراس النهر عند الغسق لترعى الأعشاب و يعتبر الرعي نشاطا فرديا يقوم به كل فرد وحده أي أن الأفراس لا تتجمع كما تفعل عندما تكون في الماء قرب بعضها البعض.
تعتبر الحيتانيات مثل الحيتان و خنازير البحر و أقربائها هي أقرب الحيوانات لأفراس النهر على الرغم من تشابه تلك الأخيرة مع الخنازير و غيرها من الحافريات المزدوجة الأصابع. يقدر العلماء أن السلف المشترك للحيتان و أفراس النهر إنفصل عن باقي مزدوجات الأصابع منذ حوالي 60 مليون سنة، أما أقدم المستحثات لفرس النهر فيقدر عمرها بحوالي 16 مليون سنة وقد وجدت في أفريقيا وهي تنتمي إلى جنس "فرس النهر الكيني" ( باللاتينية: Kenyapotamus ).
يعرف فرس النهر بواسطة جسده الأسطواني الشكل و العديم الشعر، القوائم القصيرة، و الحجم الضخم. يقارب فرس النهر وحيد القرن الأبيض في حجمه و لا يفوقه في القد سوى الفيلة، وعلى الرغم من قصر قوائمه فإن هذا الحيوان قادر على أن يسبق إنساناً بسهولة في الجري فقد تم قياس سرعته بحدود 30 ميلا في الساعة و بالتالي فيمكن اعتبار أنه قادر على أن يسبق عدّاءً أولمبياً في سباق للمسافات القصيرة . يعتبر فرس النهر من أشد الحيوانات خطورة على الإنسان على الرغم من شيوعه في حدائق الحيوانات و إظهاره بمظهر "العملاق اللطيف". يعيش حاليا حوالي 125,000 إلى 150,000 فرس نهر في البريّة جنوبي الصحراء الكبرى، و تعتبر زامبيا (40,000 رأس) و تنزانيا (20,000 - 30,000 رأس) الدول التي تؤوي أكبر أعداد من هذه الحيوانات، و لا تزال أفراس النهر مهددة حالياً من القنص الغير شرعي للحصول على لحمها و أنيابها العاجيّة ومن فقدان المسكن.
أصل النوع و تصنيفه
فرس النهر حيوان اجتماعي يعيش في قطعان يبلغ عدد أفرادها 40 حيوانا، و يسمّى فرس النهر الذكر "ثوراً" بحسب التعبير الإنكليزي و تسمى الأنثى "بقرة" و الصغير "عجلاً"[1]. يعرف هذا النوع أيضا باسم فرس النهر المألوف و فرس النهر النيلي و ذلك لتميزها عن فرس النهر القزم و غيره من الأنواع المنقرضة، إلا أن مجرد التعبير بقول "فرس النهر" يقصد به إجمالا هذا النوع.
يعتبر جنس أفراس النهر هو الممثل الرئيسي لفصيلة البرنيقيات على الرغم من أن فرس النهر القزم يمثل جنساً آخر بحد ذاته. وقد تم تصنيف خمس سلالات من فرس النهر بناء على اختلافات تشكّليّة في جماجمها و المنطقة الجغرافية التي تقطنها:[2]
• السلالة البرمائية ( Hippopotamus amphibius amphibius ) - التي إمتد موطنها في السابق من فلسطين و الأردن حتى مصر (حيث إنقرضت الآن) نزولا عبر وادي النيل حتى تنزانيا و موزامبيق.
• السلالة السواحيليّة ، سلالة كيبوكو ( Hippopotamus amphibius kiboko ) - في القرن الإفريقي، كينيا و الصومال. كيبوكو هو الاسم السواحيلي لفرس النهر، و تتميز هذه السلالة عن غيرها بفتحات أنفية أوسع و تجويف أكبر في الجمجمة.
• سلالة رأس الرجاء الصالح ( Hippopotamus amphibius capensis ) - تنتشر هذه السلالة من زامبيا حتى جنوب إفريقيا و تتميز عن غيرها بأن لديها أكثر الجمجمات تفلطحا.
• السلالة التشاديّة ( Hippopotamus amphibius tschadensis ) - تنتشر عبر إفريقيا الغربية إلى تشاد كما يوحي اسمها، تمتلك وجها أقصر بقليل من غيرها بالإضافة إلى محجرات عين بارزة .
• السلالة المنقبضة ( Hippopotamus amphibius constrictus ) - تنتشر في أنغولا، جنوبي الكونغو، و ناميبيا.
لم يقم علماء الأحياء يوما بالتصديق تماما على هذا التصنيف لسلالات فرس النهر، فالاختلافات بينها ضئيلة و قليلة لدرجة جعلت البعض من العلماء يفترض بأنها غير كافية لإعتبار أن من يحملها يكون بمثابة نويع أو سلالة مميزة . وقد قامت بعض الفحوصات و الاختيارات الجينيّة للتأكد من صحة وجود هذه السلالات المزعومة، و ظهر بعد أن تمّ فحص الحمض النووي من بضعة عينات من الجلد و التي أخذت من 13 موقعا مختلفا في أفريقيا، أن لأفراس النهر القاطنة مختلف أطراف القارة تنوعا جينيا و ظهر أبرزه عند السلالة البرمائية و سلالة رأس الرجاء الصالح و السلالة السواحيلية أما السلالتين المنقبضة و التشادية فلم يتم أخذ عينات منها[3][4].
التصنيف
جمجمة فرس النهر و تظهر الأنياب الضخمة التي تستخدمها الحيوانات للتقاتل
تصنّف البرنيقيات مع باقي الحافريات في رتبة مزدوجات الأصابع التي تضم أيضا الجمليات، البقريات، الأيليات، و الخنزيريات على الرغم من أن أفراس النهر لا تربط بهذه المجموعات بشكل وثيق. كان الإغريق القدماء يعتقدون أن أفراس النهر وثيقة الصلة بالأحصنة كما يدل اسمها، و كان علماء البيئة يصنفون أفراس النهر مع الخنازير حتى عام 1985 بناء على شكل طواحنها أو أسنانها. إلا أن الدلائل التي ظهرت من البروتين الموجود في الدماء و الحمض النووي و المستحثات أظهرت أن أقرب الحيوانات إلى أفراس النهر هي الحيتانيات أي الحيتان و خنازير البحر و الدلافين و أقربائها[5] [6][6][7][8][9] . تتشارك أفراس النهر في العديد من الصفات مع الحيتان أكثر من الحافريات الأخرى مثل الخنازير، بما أن السلف المشترك للحيتان و البرنيقيات إنفصل عن باقي الحافريات منذ ملايين السنين، وعلى الرغم من هذا فإن أنساب هذه الحيوانات سرعان ما إنشقت عن باقي مزدوجات الأصابع بعد ذلك.
تطور النوع
أظهرت الدراسات الحديثة حول أصل فصيلة البرنيقيات أن أفراس النهر تتشارك مع الحيتان في سلف برمائي مشترك إنفصل عن باقي الحافريات منذ حوالي 60 مليون سنة[5]، و يفترض أن هذا السلف المزعوم تطور و أنشأ فرعين مختلفين منذ حوالي 54 مليون سنة . وقد تطور أحد هذه الفروع إلى فصيلة الحيتانيات بدأ بالحوت البدائي "بكيستثس"، على الأرجح، الذي عاش منذ 52 مليون سنة و غيره من أسلاف الحيتان الأولى التي تأقلمت في النهاية مع العيش تحت الماء بصورة دائمة و تطورت لتصبح فصيلة الحيتانيات الحاليّة [9].
أحد أسلاف فرس النهر من العصر الضّحوي والتي بدأت تظهر شبهات مع أفراس النهر المعاصرة
أما الفرع الآخر فقد تطور إلى فصيلة كبيرة من البهائم الرباعية الأرجل و التي تعتبر أسلاف فصيلة البرنيقيات، وقد عاش أول هذه الحيوانات في أواخر العصر الفجري (الإيوسيني) و كان يشبه فرس نهر نحيلا ذو رأس صغير ضيق. تفرّعت هذه الفصيلة أيضا إلى عدّة فروع إنقرضت جميعها، دون أن تترك ذريّة متحدرة منها، عدا الفرع الذي تطور ليصبح فصيلة البرنيقيات.
نشأت البرنيقيات الحديثة في أفريقيا، و كان جنس "فرس النهر الكيني، Kenyapotamus" هو أول أفراس النهر التي عاشت في تلك القارة. انتشرت الأنواع المختلفة من أفراس النهر في فترة معينة عبر آسيا و أوروبة ولكنها لم تبلغ الأميركيتين كما يظهر حتى الآن، إلا أنه تم العثور على مستحثات لأجناس عدّة من الفصيلة الكبرى التي تفرعت منها البرنيقيات في أميركا الشمالية و التي يعود تاريخها إلى أوائل العصر الضّحوي (الأوليغوسين). و قد عاش أحد أسلاف فرس النهر المعاصر المسمّى "أرشيوبوتموس، Archaeopotamus" في أفريقيا و الشرق الأوسط بين 7.5 و 1.8 مليون سنة [10].
يتواجد حاليا جنسين من فصيلة البرنيقيات هما جنس فرس النهر و فرس النهر القزم الذين إنفصلا منذ 8 ملايين سنة على الأكثر، و لا يزال العلماء لا يفهمون سجل مستحثات أفراس النهر بشكل كبير كما يختلفون حول اعتبار فرس النهر القزم من جنس أفراس النهر القزمة الأصلية الأساسية أم من جنس آخر للعديد من فصائل أفراس النهر الآسيوية و المسماة "هيكسابروتودون، Hexaprotodon" القريبة لجنس فرس النهر[11].
الأنواع المنقرضة
رسم لفرس النهر الواسع الحجرات (الذي جاء اسمه من حجرات عينيه الواسعة ) الذي كان يقطن أوروبة قبل أن ينقرض قبل حلول العصر الجليدي الأخير
كانت ثلاثة أنواع من أفراس النهر تعيش في مدغشقر وقد إنقرضت جميعها خلال العصر الحالي (الهولوسين) و كان أخرها قد استمر بالوجود حتى 1,000 سنة خلت. و كانت أفراس النهر المدغشقريّة أصغر حجما من تلك المعاصرة وقد يعود السبب في ذلك إلى الانعزال على جزيرة لوحدها بعيدا عن الأنواع الأخرى من البرنيقيات[12]، و تظهر الأدلة من المستحثات أن أفراس النهر المدغشقرية كانت تصاد من قبل البشر و ربما ساعد ذلك على انقراضها[12][13]. يعتقد أنه من الممكن أن تكون بعض أفراس النهر هذه قد استمرت بالتواجد في بعض الجيوب النائية و المعزولة، ففي عام 1976 أفاد بعض القروين بأنهم شاهدوا حيوانا يدعونه "كيلوبيلوبيتسفي" و الذي يحتمل بأن يكون فرس نهر مدغشقري[14].
ومن الأنواع الأخرى للبرنيقيات فرس النهر الأوروبي و فرس النهر الواسع الحجرات الذين عاشا في أوروبة وصولا إلى الجزر البريطانية، وقد إنقرض كلا منهما قبل الدور الجيلدي الأخير. و إستطاعت أسلاف أفراس النهر الأوروبية أن تصل إلى العديد من جزر البحر المتوسط خلال العصر الحديث الأقرب (البليستوسين)[15]، حيث عاشت أنواع مختلفة منها على جزر كريت، قبرص، مالطا، و صقلية. استمر فرس النهر القبرصي القزم وحده بالتواجد حتى أواخر العصر البليستوسيني و أوائل العصر الحالي، و لا تزال الدلائل التي تظهر من الحفريات في موقع أتوكرمنوس في قبرص تحيّر العلماء حول ما إذا كان هذا النوع قد قابله البشر و دفعوه إلى الانقراض أم لا[15][16].
الوصف
رأس فرس نهر في حديقة حيوانات في لشبونة
فرس النهر هو أحد أضخم الثدييات الموجودة في العالم حاليا ويعتبر من الحيوانات الكبرى المتبقية على قيد الحياة، إلا أنه تأقلم، على عكس بقية الحيوانات الكبرى الإفريقية، لعيش حياة برمائية في البحيرات و الأنهار العذبة. يصعب قياس وزن أفراس النهر في البرية بسبب حجمها الضخم و تأتي معظم التقديرات من عمليات التنقية التي حصلت في الستينات من القرن العشرين، حيث يفترض أن الوزن الطبيعي للذكور الناضجة يتراوح بين 1500 و 1800 كيلوغراما (3,300 - 4,000 رطلا)[17][18]. تكون الإناث أصغر حجما و أقل وزنا من الذكور حيث يبلغ وزنها بين 1300 و 1500 كيلوغراما (2,900 - 3,300 رطلا) بينما تبلغ الذكور الأكبر سنا أحجاما أكبر بكثير إذ يصل وزنها إلى 3,200 كيلوغراما (7,100 رطل) على الأقل، و يظهر بأن ذكور فرس النهر يستمر حجمها بالنمو طيلة حياتها بينما تبلغ الإناث الحد الأقصى في حجمها عند بلوغها حوالي 25 سنة [19].
يبلغ معدل طول فرس النهر 3.5 أمتار (11 قدما)، و ارتفاعه 1.5 أمتار (5 أقدام) عند الكتفين، و يماثل وحيد القرن الأبيض فرس النهر في الحجم تقريبا حيث أن استخدام مقاييس مختلفة لقياسهما يجعل من الصعب الجزم أيهما ثاني أكبر الثدييات البريّة بعد الفيل. تستطيع أفراس النهر العدو بسرعة أكبر من سرعة الإنسان على الرغم من ضخامتها و تقدر سرعتها من 30 كيلومترا بالساعة (18 ميل بالساعة ) إلى 40 كيلومترا بالساعة (25 ميل بالساعة ) أو حتى 50 كيلومترا بالساعة (30 ميلا بالساعة )، إلا أن هذا الحيوان يستطيع الحفاظ على هذه السرعة الكبيرة لبضعة مئات من الأمتار فقط.
فرس نهر ذكر يخرج من المياه في فوهة نغورنغورو في تنزانيا
يمتد مدى حياة فرس النهر من 40 إلى 50 عاما إجمالا. تعتبر أنثى فرس النهر المسماة دونا والتي تعيش في حديقة حيوانات مسكر في ولاية انديانا في الولايات المتحدة[20][21]، أكبر أفراس النهر الحيّة سنا. أما أكبر هذه الحيوانات سنا على الإطلاق فكانت أنثى تدعى تانغا وقد عاشت في ميونخ بألمانيا و ماتت خلال عام 1995 عن عمر 61 سنة [22].
رسم للهيكل العظمي لفرس النهر
تقع الفتحات الأنفية و عيون و أذان فرس النهر على رأس جمجمته مما يسمح له بإبقاء معظم جسده مغمورا بالماء و الوحل في الأنهار الإستوائية التي يقطنها و تفادي الإصابة بحروق شمسيّة. يعتبر الشكل الخارجي لهذه الحيوانات مصمما كليّا لجعلها قادرة على التأقلم مع حياتها على الضفاف، فهيكلها العظمي مصمم ليتحمّل ثقلها الكبير و قوائمها قصيرة مقارنة بغيرها من الحيوانات الكبرى بسبب أن المياه تساعد على التقليل من الضغط عليها عندما تكون مغمورة، و كغيرها من الحيوانات المائيّة فإن لأفراس النهر القليل من الشعر.
عين فرس النهر في حديقة حيوانات سان فرانسيسكو
يفرز جلد أفراس النهر واقيا طبيعيا من الشمس ذو لون أحمر لحمايتها من أشعة الشمس القوية و تسمى هذه الإفرازات "بالعرق الدموي" إلا أنها ليست بعرق أو دم. تكون هذه الإفرازات عديمة اللون إلا أنها تتحول إلى برتقالية ضاربة إلى الحمرة بغضون دقائق ومن ثم إلى بنية في النهاية، وقد تم تعريف نوعين من الأصباغ في هذه الإفرازات إحداها حمراء و الأخرى برتقالية وكلاهما مركبات أسيديّة عالية الحموضة . إكتشف العلماء أن الصبغة الحمراء تمنع نمو البكتيريا المسببة للأمراض مما جعل البعض يفترضون بأنها تلعب دور المضاد الحيوي، وكلا الصبغتين تمتص أشعة الشمس بشكل أكبر خلال الفترة التي تبث فيها الأشعة ما فوق البنفسجية مما يجعلها تلعب دور المرهم الواقي من الشمس. تفرز جميع أفراس النهر هذه المواد بغض النظر عن حميتها مما يثبت بأن نوع الطعام الذي تتناوله ليس مسؤولا عن هذه الإفرازات بل لعل الحيوانات تصنع الصبغات من الأحماض الأمينية و التيروسين.[22]
انتشار النوع
كانت أفراس النهر منتشرة عبر شمال إفريقيا و أوروبة و بعض الدول العربية حتى قبل بداية الدور الجليدي الأخير، و تعتبر أفراس النهر قادرة على العيش في الدول ذات المناخ البارد شريطة أن لا يتجمد الماء الذي تغطس فيه خلال الشتاء. استمرت هذه الحيوانات بالتواجد في منطقة النيل المصرية حتى