هبط الوزير هنرى ستمسون وزوجته سلم المنصة وفى صحبتهما النائب العام " وليم ميتشيل" وزوجته فقال: ميدالية الجمعية لا تعطى إلا لأصحاب الأعمال العظيمة فى علم الجغرافيا وقد نالها إثنا عشر رجلا ولكن إميليا إيرهارت أول إمرأة تحوزها ومن العسير أن يصدق المرء أنها صادفت كل هذه الأخطار والصعاب فقال النائب العام: لابد أنها ذات شجاعة فائقة وإلا ما كانت أول إمرأة تعبر المحيط الأطلنطى فسأله مستر ستمسون : أتشير إلى طيرانها عام 1928 بالطائرة فرند شيب ( الصدقة)؟ قليلون من الرجال سبقوها إلى هذه الرحلة التى قامت بها مع " ويلبور ستولتوز " و " لويز جوردون" وكانت متواضعة جداً فى جهدها هذا ولكن إنجلترا وجدته عملا جليلاً وأقامت نصباً تذكارياً فى المكان الذى هبطت فيه بطائرتها من صنع " لوكهيدفيجا" وليس الفضل للطائرة وحدها بل الفضل لقائدتها التى كسر منها مقياس الإرتفاع ن تطير فى الظلام عالياً لتبتعد عن سطح الماء فثقل جناحا الطائرة بالثلوج مما جعلها تهبط هبوطاً رأسياً وياله من موقف حرج ويقولون إنها لم تتمكن من السيطرة حتى كادت تمس أمواج المحيط ولم يقف سوء حظها عند هذا الحد فقد إشتعلت النيران فى محرك طائرتها أيضاً ومن حسن حظها أن النار لم تصل إلى خزان الوقود.
فتاة طيارة
لم يكن من السهل أبداً فى عام 1920 أن تصبح فتاة طيارة " وقت لاقت" إميليا إيرهارت معارضة كبيرة من أهلها حتى أنها اضطرت اخيراً ان تبيع معطفها الفرو ومجوهراتها الثمينة لكى تدفع عن دروسها فى الطيران و تحصل على شهادة رسمية فى قيادة الطائرات كانت إيميلا من الطيارين القلائل الذين ظهروا فى بداية العهد بالطيران و الطائرات وإلى جانب ذلك كانت أول قئدة لطائرة من النساء فى العالم وكانت على قدر من الرقة والجمال وتعلو شفتاها إبتسامة عريضة تضفى عليها خفة روح محبية و قد جذبت خالا الفترة من 1898 إلى 1937 خيال الملايين ممن يحلمون
بالمغامرة والسفر فى تلك الأيام كانت الطائرات لا تزال من الندرة بحيث أنه كلما حلقت طائرة فى السماء كان الناس يندفعون من البيوت و النوافذ متطلعين بعناقهم ويتابعون برؤسهم الطائرة حيثما تطير ومع ذلك كانت إميليا تجوب في ذلك الوقت السماء فى طائرة واهية بدائية التركيب تسجل و تضرب الأرقام القياسية فى الطيران منذ أكثر من نصف قرن قبل ظهور وإنتشار الطيران السريع المتواصل فى طائرات الركاب النفاثة والسرع من الصوت التى توصف حالياً بالفخامة و الضخامة وكانت أيامها تعد فى تاريخ الطيران عصر الرواد الأوائل.
وفى عام 1937 كان إسم إميليا من الأسماء المألوفة فى كل بيت و عندما أختفت هى وملاح طائرتها " فريد جورج نونان" فى يوم من أيام شهر يوليو أثناء طيرانها حول العالم رفض الكثيرون أن يصدقوا ن إميليا الفتاة الرشيقة الحلوة الجذابة قد أختفت إلى الأبد وظل الأمل يراودهم أن تكون قد تمكنت من الهبوط بطائرتها فى مكان ما وراجت عنها شائعات تقول أنها كانت تقوم بمهمة سرية بتكلبف من الحكومة و لكن الدفعية اليابانية أصابت طائرتها و أسقتطتها وأسرتها ثم تتعاقب الأخبار و الشائعات وتختلف القصص والروايات فمن قائل أنها اعدمت هى و نونان رميا بالرصاص بإعتبارهما جاسوسين ومن قال انهما ما زالا أسيرين فى إحدى جزر الباسيفيك المجهولة.
وفى أواخر الخمسينات من القرن العشرين بدأ مراسل صحفى بسان فرنسيسكو البحث عن حل لهذا اللغز الغامض المثير فسمع أن عددا كبيرا من سكا ن جزيرة "سيبان" يؤكدون أن إمرأة بيضاء شابة قد عاشت بينهم فترة من الوقت ماتت و دفنت فى قبر معين كما قدم الجنود الذين عسكروا فى الجزيرة أثناء الحرب تقارير عن عثورهم على بعض الأدلة التى تشير إلى وجودها هناك بل وزعم حد الجنود أنه شاهد صورة فوتوغرافية للآنسة إيرهارت وهى تقف فى أحد المطارات بجوار طائرة يابانية.
سافر الصحفى الأمريكي إلى سيبان وحمل مجموعة العظام من ذلك القبر وعاد بها إلى جامعة كاليفورنيا فى آواخر عام 1961 وصل إلى أستاذ علم الأجناس فى الجامعة طرد مرسل من الجزيرة سيبان وكان الطرد يحتوى على سبعة أرطال من العظام الآدمية والأسنان ومع الطرد رسالة تطلب من الدكتور أن يستخدم علمه وخبرته فيما إذا كانت هذه العظام هى حقاً من بقايا الطيارة الشابة المفقودة إميليا إيرهارت وفى 5 ديسمبر 1961 كانت هانك مفاجأة حيث نشرت جريدة النيويورك تايمز نتائج التحاليل الدقيقة التى أجراها أستاذ علم الأجناس تحت عنوايت مثيرة : الغغموض لا يزال يحيط بمصير إيميليا إيرهارت .. عظام سيبان ليست عظامها.
إليك عزيزى القارئ فى القرن ال21 قصة حياة إيميلا إيرهارت أول قائدة لطائرة من النساء فى العالم.
ولدت السندريلا إميليا إيرهارت فى " كانزاس" بالولايات المتحدة الأمريكية فى 24 يوليو عام 1898 وكان أبوها يعمل محامياً فى شركة سكة حديد رود إيلاند وكانت وظيفته تحتم عليه و على أسرته كثرة التنقل وكانت إميليا و شقيقتها موريل تعيشان بعض الوقت مع جدتهما والتحقات إميليا بست مدارس ثانوية خلال أربع سنوات وعندما تخرجت من مدرسة هايد بارك الثانوية بشيكاغو ظلت إميليا تعيش و تسير فى الحياة بمفردها و هى تبحث فيما حولها عن شئ يرضى طموحها فالتحقت فنرة من الوقت بمدرسة خاصة بالقرب من فيلادالفيا ولكن الحرب العالمية الأولى ( 1914-1918) كانت قد اندلعت فى القارة الأوروربية فتطلعت إميليا إلى تقديم المساعدة ومن هناك رحلت إلى تورنتو بكندا حيث عملت ممرضة فى هيئة الصليب الأحمر الدولى ومن خبرتها فى المستشفى أخذت تهتم بالأدوية والعلاج فسجلت نفسها فى كلية الطب بجامعة كولومبيا بمدينة نيويورك .
بعد ذلك بسنوات كثيرة كتبت إميليا تقول" توليت ثمانى و عشرين وظيفة وعملا مختلفاً وأنى لأرجو أن أتولى مائتى و ثمانين عملا آخر مختلفاً فالتجربة ومعرفة إناس جدد هى فى إعتقادى أفضل مائة مرة مما نتلقاه من علم فى المعاهد والكليات أمضت إميليا فصل الشتاء فى جامعة كولومبيا ثم سافرت إلى كاليفورنيا لتمضية الأجازة الصيفية مع أسرتها وهناك وجدت الشئ الذى لم تكن تتوقعه فى حياتها ففى عصر يوم من الأيام وبينما هى و أسرتها يشاهدون بعض الرياضين الشبان وهم يطيرون بطائراتهم فى طار جوى بلونج بيتش بكاليفورنيا تملكتها عاطفة مفاجأة وسيطرت عليها فكرة واحدة فتوسلت إلى أبيها أ، يسأل احدهم عن مدى الزمن الذى يستغرقه الإنسان حتى يتعلم الطيران وكم يكلفه ذلك حيث تبين ان عدد الساعات المطلوبة لتعليم الطيران تتراوح ما بين خمس إلى عشر ساعات ويتكلف حوالى الألف دولار مما جعله يعتقد ان ذلك ضرب من المحال بالنسبة لها.
دفعت إميليا أجرة قيامها برحلة بالطائرة فأخذها فرانك هوكس فى جولة قصيرة و قالت إميليا " ما غن إرتفعنا عن الأرض حتى عرفت أننى لابد أن اطير فى يوم من الأيام بمفدرى فعلى بعد عشرات الأميال فى الجو كان المحيط يبدو لى واضحاً وكأننى أشاهده عن قرب كما بدا لى أن تلال هولييود تبتسم فى وجههى وانا أطل من مقعد الطيار فتملكنى الإحساس بأننى أكون مع المحيط والتلال مجموعة من الأصدقاء الأعزاء"
تركت إميليا قلبها معلقا فى السماء ولكنها نزلت إلى الأرض لتكسب قوتها وفى البداية تولت وظيفة لشركة للتليفونات ثم عملا فى أستوديو تصوير وأينما كانت تعمل كانت تنفق كل ما تحصل عليه فى دروس الطيران تبحث لها عن عمل ترضى عته وحصلت أخيرا على وظيفة مدرسة ببوسطن مقابل 60 دولارا فى الشهر.
طائرة الصدقة
فى صباح يوم مشحون بالعمل وبينما فى تقوم بتدريس اللغة الإنجليزية فى فصل شدشد الصخب يضم أطفالاً من الصين وإيطاليا وسوريا استدعوها إلى المكتب لترد على مكالمة هاتفية وجءها صوت المتكلم أما زلت مهتمة بالطيران يا آنسة إيرهارت وراحت إميليا تخمن ما يدور فى رأس المتكلم وقطعا للشك باليقين توجهت إليه فى مكتبه فعلمت انه يطالب منها ان تكون المسافرة الوحيدة فى طائرة تتعبر الأطلطنى .. ولم يكن عبور المحيط بالطائرة فى عام 1928 م بالأمر الهين بالنسبة للرجال كما لم تكن تلك بالرحلة التى قامت بها من قبل أحدى النساء ولك فى ذلك الوقت كان رجلان فقط هما الطيار " ويلمر ستلتز والميكانيكي لوجوردون على وشك عبور هذا المحيط بطائرة تسمى الصداقة وقد تبنت هذه الرحلة و تكلف جمبع نفقاتها سيدة اشترطت ان تشترك فى الرحلة إمرأة وكانت طائرة الصداقة ذات ثلاثة محركات يلغ طول جناحيها 72 قدما وقد طلى هيكلها بالون البرتقالى وجناحاها باللون الذهبى وزودت بعوامات تمكنها بالهبوط فى الماء... تلك كانت فرصة العمل لإميليا التى كانت تتحرق شوقا للإشتراك فى هذه الرحلة ولو كمرافقة وبعد أسابيع طويلة من الإعداد للرحلة أقلعت الصداقة من مطار بوسطن فى صباح أحد الأيام متجهة نحو جزيرة نيفوندلاند ... فهذه الجزيرة الشمالية التى ترتفع فى قلب المحيط تعد أقصر طريق مباشر يربط القارة الأميريكية بشواطئ إنجلترا وكان من المقرر ان تنتهى رحلة الطائرة فى ميناء " سوثهمبتمون" المطل على القنال الأنجليزي وكانت الطائرات حتى عام 1928 عندما تحلق فى السماء تصبح تحت رحمة الرياح والجو كما كانت خزاناتها لا تتسع لكميات كبيرة من الوقود الذى يكفى لمواجهة إحتياجات الطيران لمسافات طويلة فى ظروف الرياح الشديدة كما لم تكن مزوجة بالكابينة مكيفة الهواء والضغط مما يسمح للطيار ان يخترق الهواء البارد ليعلو بطائرته فوق العاصمة.
لذلك ظل " ستلتز" وجوردون ومعهما الراكبة الوحيدة محبوسين فى قرية تريبس حيث كانت التقارير التى يتلقونها عن حالة الجو لا تسمح لهم بالطيران فقد كان الضباب كثيفو درجة الرطوبة عالية وظلوا طوال إقامتهم الإجبارية فى تلك القرية .. بينما يتلقون عن طريق الراديو أنباء الجو السئ يوما بعد الآخر ومضى اسبوعان طويلان ملان استعدوا خلالهما للطيران أكثر من مرة إلى حد انهم عندما اقلعوا بالفعل فى باكروة يوم 17 يونيو لم يأت أحد لمشاهدتهم وانزلقت الصداقة فوق الماء ثم اخذت تلو إلى الهواء (الجو) وكما لم يأت أحد لوداعهم عند إقلاهم من الجزيرة نيوفوندلاند كذلك لم يجدوا أحدا فى إستقبالهم عندما هبطوا بالطائرة بعد رحلة أستمرت عشرين ساعة وأربعين دقيقة تماما بعد ان نفد كل ما لديهم من بنزين وكانوا قد انحرفوا قليلا عن خط المسير فبدلا من ان يهبطوا فى " سوثهمبتمون" لمست طائرتهم المياة بالقرب من ميناء " بيرى بورت" فى جنوب ويلز وكان يوما ممطرا كئيبا وقد خلى الميناء من الناس وعندما رست الطائرة فوق الماء لم يعرها أحد أى إهتمام وفيما بعد إتضح أن رحلة الصداقة كانت بالنسبة لإميليا أكتر من مجرد صداقة.
كانت الرحلة بداية لقصة حب مع أحد الذين شاركوا فى الإعداد لهذه الرحلة وهو " جورج بالمربتنام" وقد ظل بعد إنتهاء الرحلة يساعد إميليا ويشجعها ويدعوها للإشتراك فى مغامرات أخرى. وقد ظل جورج بالمربتنام عدة سنوات يطلب منها الزواج وظلت إميليا ترفض طلبه. فما كانت تتصور نفسها قادرة على أن تكون حبيسة مطبخ فمطبخها هو مقعد الطيار والطيران بالنسبة لها جزء لا يتجزأ عن حياتها بل هو الحياة ذاتها وكان جورج يدرك حاجتها إلى الحرية فوعد بأن لا يحرمها من الطيران فى وقت تشاء.
فى فبراير 1931 م أصبحت إميليا إيرهارت زوجة لجورج بالمربتنام وقد تم هذا التحول فى حفل زواج بسيط منذ عبرت إميليا المحيط الأطلنطى فى الصداقة كمسافرة وهى تفكر فى ذلك اليوم الذى تستطيع فيه أن تعبر المحيط بمفردها كطيارة.
عندما جاء 1932م كانت قد طارت اكثر من ألف ساعة واصبحت تملك طائرة خاصة مستعملة حمراء اللون من طراز لوكهيد فيجا وقد اعدت كل شئ لتركب فيها محركا جديدا من طراز واسب ليمكنها من الطيران لمسافات طويلة .. و فى هدوء وعناية اعدت طائرتها ونفسها للسفر... فعندما يطير الطيار و هو أعمى تصبح الأدوات و المعدات بمثابة العينين فزودت الطائرة بجهاز لقياس الإرتفاع لتقيش به مدى إرتفاعها فوق المحيط ورسام للضغط الجوى لسجل ما إذا كانت الطائرة تعلو فى الحقيقة أم تنخفض وعداد للسرعة زودت إميليا طائرتها بكميات إضافية كبيرة من الوقود وزيت المحرك ولم تحمل غير ما عليها من ملابس ونظارات وسترة من الجلد واخذت لنفسها ترموس الأحساء ومعلبات من عصير الطماطم.
نصحها أصدقائها بأن تخذ بعض الملابس والأصعمه الإضافية ورفضت لأن ذلك يعنى زيادة فى وزن الطائرة مما يسبب مزيا من القلق.
وفى مساء 20 مايو 1932 اقلعت إميليا من " نيو فوند لاند" متجهة ناحية الشرق وطارت فى هدو ءالليل وحيدة لا يؤنسها فى وحدتها غير النجوم التى كانت تزين السماء كما ترصع الزهور الحمراء المروج الخضراء وقد بدا لإيليا أنها تستطيع إلتقاط باقة من هذه النجوم بمجرد أن تمد يدها من نافذة الطائرة ومن تحتها كان المحيط على النقيض من النجوم حالك السواد صاخباً موحشاً وإميليا هى و طائرتها لا تعدو أن تكون ذرة ضئيلة هائمة من الحياة تسبح فى الفضاء اللانهائى.. وجءت السحب فحجبت وجه القمر وهبت العاصفة و اومض البرق ثم ارعدت الرعود واهتزت الطائرة الصغيرة وارتجت ووراء النافذة امتدت الظلام الأسود والحالك وإميليا لا ترى شيئا غير لوحة القيادة التى يضيئها ضوء خافت شاحب يكشف بالكاد مجموعة من الأدوات والأزرار الصغيرة التى تتوقف عليها حياة الطيار.
وفجأة توقف جهاز قياس الإرتفاع وراحت أسهمه تدور على غير هدى فلا يسجل شيئا و لمحت اميليا انفراجا بين السحب فتجهت نحوها فقد يسعدها الحظ فتفقذ منها لتعلوم فوق العاصفة والسحب و ظلت متجهة بطائرتها إلى أعلى لأكثر من نصف ساعة حتى لاحظت فوق زجاج النافذة طبقة خفيفة لزجة و لكنها شديدة الخطر... كما رات طبقات من الثلج تتراكم على جناحى الطائرة وجمدت البرودة عداد الدورات وسقطت الطائرة فجأة فى دوامة وسجل رسام الضعط الجوى هبوطا قدرة 3000 قدم وكتبت اميليا تصف هذه المرحلة لم اعرف تمام الى متى ظلت الطائرة تدور بى فى قلب الدوامة ولكن الشئ الذى اذكره اننى حاولت كل ما يمكن ان يفعله طيار عندما تقع طائرته فى دوامة... وقد استعدت سيطرتى على الطائرة عندما ادى ارتفاع المنخفض إلى ذوبان الثلج المتراكم على جناحى الطائرة.
عندما نجحت اخيرا فى تصحيح اتجاه الطائرة واستعادة توازنها كنت قد اصبحت ارى من خلال الظلمة الجاثمة حولى وتحتى قم السحب البيضاء وهى قريبة منى مما يدعو إلى الراحة والهدوء والإطمئنان وقد ظلت تطير فى قلب العاصفة الهادرة خمس ساعات متواصلة قبل ان تعود إلى الطيران الطبيعى وحيدة إلا من أفكارها و خواطرها غير ان القدر لم يكف عن العبث بها فى تلك الليلة فقد لاحت لسانا غريبا من اللهب يتصاعد من مساورة الغاز العادم وكان هذا اللسان على ضآلته قادرا على أن يأكل كل شئ فى طريقه فيخرق تدريجيا الماسورة المعدنية وعندئذ سأموتو لكن هل سأموت غرقاً أم حرقا وراحت تطئن نفسها ومع ذلك لم يكن بيدها ان تفعل شيئا وما كان عليها إلا أن تنتظر فالعودة مستحيلة لأنها لن تستطيع الهبوط فى ميناء " جراس" فى الظلام ولم يكن امامها إلا ان تتقدم ... و ظلت تتقدم ثم سرعان ما بدت لها اضواء الفجر وفى الضوء الشفاف بدا لسان النار المتصاعد فى ماسورة العادم غير ذى خطر ثم رأت نتفا من سحابة تسبح فوق وجه الماء كانها قطعة من القطن المندوب ثم بزغت الشمس ونشرت اشعتها مما حملها إلى ستر عينيها وراء نظاراتها السوداء وقد كتبت ايميليا فيما بعد تقول" إن الصباح الباكرهو أجمل وأنسب وقت للطيران ففى ذلمك الوقت يكتسى الهواء بالندى فيصير ثقيلا و ناعما وتستطيع الطائرة ان تنزلق فوقه مسافات طويلة"
الهبوط بسلام
فى صباح ذلك اليوم بالذات يوم 21 مايو لم يكن الطيران هو ما تريده اميليا ايرهارت بل كان اقصى ما ترجوه هو ان تهبط بسلام لأنها عندما تنبهت إلى خزانات الوقود الإحتياطى وجدتها توشك على النفاذ وبات من الضرورى ان تهبط وان تهبط فحسب.. فما عاد من الضرورى ان تعرف اين تهبط غير انها فى تلك اللحظة كانت تطير فوق حاجفة جزيرة ايرلندا ومن تحتها امتدت إلى مرمى البصر حقول خضراء زاهية فاختارت مكانا فسيحا بعيدا عن الأبقار ثم هبطت فى مرعى لفلاح يدعى " جا لاثار" ومن المرعى ظهر رجل تكسو وجههة علامات الدهشة واطلت اميليا برأسها من الطائرة وقالت للرجل " لقد الآن من أمريكا".
وكانت هذه الرحلة بالنسبة لأميليا ايرهارت هى بداية حياتها العامة ففى اوروربا والولايات المتحدة الأمريكية أقيمت لها حفلات التكريم كما منحت الأوسمة والنياشين ووصلتها آلاف الرسائل التى كتب كثير منها بأيدى شباب وأطفال وصغار وقد كتب اليها شاب صغير من كنتكى رسالة تقول " اننى ارجو ان اتعلم الطيران على يديك ولسوف ادفع لك اجرك حتى لو ظلت اقوم بخدمتك طول حياتى فانا الآن لا املك شيئا وابى يعمل حمالا فى منجم فحم".
ومن متشجان جاءتها رسالة تقول " اننى ابلغ من العمر خمسة عشر عاما هادئ الطبع واريد مشاهدة العالم و لا املك مالا و لكننى سأستعمل عقلى على احسن وجهه ممكن " وكثرت مشاغل اميليا فى السنوات الخمس التالية فمن إلقاء محاضرات إلى كتابة مقالات إلى تصميم أزياء وغيرها من الأعمال والمشاغل واستطاعت أن تفوز بالمركز الأول فى فنون كثيرة فقد كانت اول إمرأة تقود طائرة تشبه الطائرة الهليكوبتر وأول قائدة طائرة تخترق سماء الوليات المتحدة الأمريكية من أقصاها لأدناها.
كما كانت اول امراة من الجنس اللطيف تحصل على وسام الجدار فى الطيران بقرار من الكونجرس الأمريكى.
وفى يانير 1935 عبرت بمفردها المحيط الهادئ من عاواى إلى كاليفورنيا وفى مايو من نفس السنة طارت بدون توقف من مدينة المكسيك إلى نيويورك ثم نيوجيرسى وقطعت خلال هذه الرحلة 2120 ميلا فى ثمانى عشرة ساعة وثمانى عشرة دقيقة وانهال عليها الثناء من كل جانب ولكنها لم تدع هذا الثناء يدير رأسها وجمعت في ملف عليه بطاقة تحمل كلمة "قمرة الطائرة" كل ما وصلها رسائل وأشعار وأغان وبرقيات وقد جاء في رسالة من عمدة إحدى المدن التي كانت توشك على زيارتها أرحب بك ثلاث مرات يا ابنة السماء العظيمة ويا درة في جبين جميع نساء الأرض أن اختلاف الرأي ووجهات النظر أمر طبيعي في عالم يحفل بأخلاط الناس وهذا صحيح أيضًا لما فعلته إميليا أيرهات وكم كان سرور إميليا بالغًا عندما اشترى لها مركز أبحاث الجامعة طائرة من طراز اللوكهيد إليكترا ذات المحركين لاتسخدامها كمعمل طائر يبلغ طول الطائرة 12 مترًا والعرض 16.70 متر وكانت سرعة هذه الطائرة تبلغ في المتوسط حوالي 180 ميلاً في الساعة (386 كم) في الساعة كما كانت تتسع لكمية كبيرة من الوقود تكفي للطيران أكثر من 4000 ميل ولم تكن كابينة القيادة تزيد على قمرة زجاجية تبلغ مساحتها أربعة أقدام ونصف القدم ومع ذلك كانت لوحة القيادة مرصعة بأكثر من مائة زر (مفتاح) ومقياس من أحدث ما وصل إليه العلم من وسائل ومعدات في عالم الطيران ومع كل هذه الأزرار والمقاييس بدت اللوحة في نظر إميليا مجرد لعبة لطيفة خفيفة في بداية عام 1937 عقدت السيدة إيرهارت مؤتمرًا صحفيًا وتجمع المصورون ومراسلوا الصحف في غرفتها بفندق نيويورك وقفت إميليا أمامهم أمامهم واستقرت يدها فوق نموذج للكرة الأرضية واستهلت حديثها قائلة "لقد دعوتكم لأعلن لكم أنني قررت الطيران حول العالم وسأطير بالقرب من خط الاستواء كلما كان ممكنًا ثم مرت بأصبعها على محيط نموذج الكرة الأرضية في مسار يبلغ طوله حوالي 27 ألف ميل وقاطعها صوت من بين الحاضرين وهل ستطرين وحدك؟
الاتجاه إلى الشرق
وفي هذه المرة رأت أنه من الأفضل أن تبدأ رحلتها بالاتجاه نحو الشرق وقادت إميليا طائرتها من "كاليفورنيا إلى ميامي ثم فلوريدا" في رحلة تجريب حتى تأكد لديها أن جميع أجزاء الطائرة تعمل على ما يرام وفي فجر أول يونيو عام 1937 وقف "جورج بتنام" في مطار ميامي يلوح بيديه مودعًا زوجته وملاح طائرتها "فريدريك ج نونان" وهما سماء كاليفورنيا في أطول رحلة طيران في رحلتهما كان فريد نونان قد عبر الباسفيكي ثماني عشرة مرة وكان ملاحًا مدربًا أحسن التدريب على إدارة الأجهزة اللاسلكية كما كان من أبرع قادة طائرات النقل وودعته عروسه وراح جورج بيتنام يتحسس مظروفًا في جيبه وهو يتابع بنظراته الطائرة اليكترا وهي في السماء وكان ذلك المظروف المغلق يضم رسالة كان يرجو ألا يضطر يومًا إلى فضها فعلى المظروف كتبت إميليا بخط يدها تقول "لا تقرأ الرسالة إلا في حالة عدم عودتي" وجهت إميليا طائرتها نحو الجنوب الشرقي في طريقها إلى بورتوريكو ثم أدارت جهاز الراديو في طائرتها وسمعت المذيع من إذاعة ميامي أنباء رحلتها بأنفاس مبهورة. أخرجت دفتر مذكراتها وكتبت فيه أول تسجيلاتها عن الرحلة فقد كانت تزمع وضع كتاب عن الرحلة بعد الانتهاء منها فراحت والطائرة تقطع المسافة التي كانت تفصلها عن مصيرها تكتب مذكراتها وتبعث بها إلى زوجها من كل مكان تهبط فيه وتيسر لها ذلك".
وقد كتبت قائلة:
إذا سارت الأمور على ما يرام فسنبدأ غدّا طيراننا الطويل مخترقين القارة الأفريقية فيق خط مستقيم لتجنب عواصف الجنوب ورياح الشمال لقد كانت رحلتنا حتى الآن في طرق معروفة ومألوفة ولكن بعد ذلك سوف نطير فوق مناطق طار فوقها قبلنا كثيرون ولكن يغير جداول أو مواعيد منظمة.
جزيرة هولندا
إن طائرة "لوكهيد اليكترا" تربض الآن على شواطئ الباسيفيك وفي مكان ما وراء الأفق تنتصب كاليفورنيا شامخة لقد قطعنا حتى الآن 22 ألف ميل ولك يبق أمامنا غير سبعة آلآف ميل وتنتهي الرحلة ومن منطقة لي بدأت إميليا ايرهارت وفريد جورج نونان أطول مرحلة في الطيران المتواصل فوق المحيط ليقطعا ما يقرب من 2556 ميلاً في سماء لم تخترقها طائرة من قبل . . .
وقد كانت بغيتهما هي "جزيرة هولندا" وقد كتبت إميليا في سجل: "لقد مررنا بعرض العالم كله ولم يبق غير هذا المحيط الشاسع "الهادي" ولكن يسعدني أن اجتاز تلك المخاطرة واتركها خلفي في سلام ووقفت سفينة حرس الشواطئ الأمريكية ايتاسكا على أهبة الاستعداد لإرشاد إميليا في الوصول إلى جزيرة هولندا وكانت مهمة السفينة هي مداومة الاتصال بايرهات عن طريق اللاسلكي وإعطائها أولاً بأول التقارير عن حالة الجو وتوجيه الاشارات اللاسلكية إليها ولم يكن جهاز اللاسلكي في طائرة إميليا قويًا وكانت إميليا تطير ساعات طويلة قبل أن تدخل في نطاق المنطقة التي يقوم جهاز إرسال ايتاسكا بتغطيها ولم يكن تحتها معالم تمكن نونان من التأكد من سلامة الاتجاه وصحته لم يكن أمامها غير النجوم مرشدًا وموجها ومع ذلك كان على إميليا أن تقود اليكترا بمنتهى الدقة فلو أخطأت بوصلة نونان درجة واحدة لانحرفت الطائرة عن طريقها المرسوم ميلاً واحدة في كل 60 ميلاً وعند منطقة لي لم يعد جهاز إرسال اليكترا الذي لا تتجاوز قوته الخمسين واتًا يعمل بانتظام.
واجه "جورج نونان" صعوبة بالغة في إصلاح الكرونوميتر وفي العاشر من صباح 2 يوليو 1937 أول يوليو يتوقيت هولندا أقلعت إميليا ايرهارت من (لي) وقد ظنت وهي تطير في ذلك اليوم أنها تطير في الأمس فقد كان وقوع جزيرة هولندا على خط طول 180 هو السبب في هذا الفرق في التاريخ وقد طارت إميليا وهي لا تدري أنها تسير بخطى حثيثة نحو عالم الأبدية كانت السفينة ايتاسكا ترسل تقاريرها عن الجو وتبعث إشاراتها إلى إميليا حتى قبل أن تدخل طائرتها في نطاق جهاز إرسال السفينة وتجمع البحارة الخمسة بغرفة اللاسلكي الصغيرة الحجم يبذلون جهدًا كبيرًا لعلهم يلتقطون صوت إميليا وهي ترد على إشاراتها وكان الجو مشوحنًا بالكهرباء إلى حد جعل الاتصال اللاسلكي صعبًا وكانت الرياح تهب مواجعة طائرة إميليا فتحملها على الطيران البطئ وتضاعف من استهلاك الوقود.
في حوالي الساعة الثانية والخامسة والأربعين صباحًا سمعوا صوت إميليا لأول مرة وكان كل ما استطاعوا التقاطه من كلماتها هو "السماء معتمة ومبلدة بالغيوم" وظل رجال السفينة ايتاسكا يحاولون طوال الليل أن يعيدوا الاتصال باميليا وظلوا يرددون عن طريق جهازهم اللاسلكي أنهم لا يسمعون شيئًا منها وطلبوا منها أن تحاول الاتصال بهم على موجة أخرى وأن تستخدم اشارات جهازها الخاص ولكنهم لم يتلقوا منها ردًا كما لم يصلهم منها ما يحدد موقعًا من الأماكن التي ظلوا يرددون أسماءها ولم يكن هذا الصمت من جانبها يعني غير شئ واحد فقط هو أن عطبًا قد أصاب الأجهزة اللاسلكية بالطائرة وجاء الصباح وكان يومًا صافيًا صحوًا وأنزل الكوماندور "طومسون" ربان السفينة الأمريكية ايتاسكا مجموعة من الرجال على شاطئ جزيرة هولندا ليفزعوا آلآف طيور البحر المقيمة في الجزيرة لكي تتمكن إميليا من الهبوط بطائرتها في الجزيرة بسلام وقد أمر الكوماندور "طومسون" مهندسي السفينة بإطلاق أعمدة كثيفة من الدخان الأسود من مداخن السفينة على سبيل الارشاد للطائرة المفقودة.
وفي الساعة السابعة والثانية والأربعين صباحًا ترامى إليهم صوت إميليا من خلال جهاز الاستقبال "نحن نطير فوقكم ولكننا لا نراكم".
الوقود يكاد ينفذ لم نتمكن من الاتصال بكم بالراديو نحن نطير على الارتفاع 1000 قدم "وفي الساعة السابعة والسابعة والخمسين قالت: "نحن نحاول ولكننا لا نستطيع رؤية الجزيرة كما أننا لا نستطيع أن نلتقط اشاراتكم "فأرسلت الايتاسكا سلسلة طويلة من الاشارات وفي الساعة الثامنة والدقيقة الثالثة ترامى صوت إميليا تنادي ايتاسكا التقطنا اشاراتكم" لا نستطيع أن نحدد موقعنا" وردت الايتاسكا في الحال ولكنها لم تتلق ردًا كذلك وفي الساعة الثامنة والخامسة والأربعين سمعوا صوت إميليا لآخر مرة وكانت تتحدث بسرعة: "نحن نسير بحذاء خط 137 – 337 سأكرر الرسالة" نحن نطير الآن جنوبًا وشمالاً" ثم خفت صوتها.
وراح طومسون يتصفح من فوق ظهر السفينة وجه السماء وراح يتساءل: هل أعمى ضوء الشمس إميليا عن رؤية أعمدة الدخان؟ وكان قد قدر أن إميليا قد تجاوزت الجزيرة الصغيرة وأصبحت في ذلك الوقت تطير فوق المحيط الشاسع بغير وقود وفي التاسعة صباحًا أبرق طومسون إلى واشنطن يقول "لم تعد إميليا على اتصال بنا نحن الآن عند خط 90 أعتقد أنها سقطت في المحيط أقو الآن بالبحث عنها في جميع الأماكن المحتمل سقوطها فيها وسأواصل البحث عنها" وفي الحال أصدر الأدميرال "وليم ليهن" رئيس العمليات البحرية الأمريكية أوامره إلى جميع السفن التابعة له بتقديم كل معونة ممكنة فقامت حملة ضخمة للانقاذ وتوجهت الطائرات والسفن إلى مكان البحث بأقصى ما تملك من سرعة وتجمعت في منطقة البحث بارجة وكاسحة ألغام، وحاملة طائرات وأربع مدمرات وست وستون طائرة وراحت الطائرات المنقضة تمسح كل شبر في كل جزيرة في دائرة قطرها مئات الأميال ومسحت السفن أكثر من 100.000 ميل مربع من المحيط الهادي ولكنها كانت خالية من كل شئ إلا من حطام ناقلة بضائع في السابع من يوليو انضمت إلى حملة الانقاذ سفينتان يابانيتان وقد اشترك في حملة البحث عن أسطورة الطيران إميليا إيرهارت وفريد نونان 4000 رجل وتكلفت العملية أكثر من ربع مليون دولار في اليوم.
فكانت بذلك أكبر وأضخم عملية بحث تمت في تاريخ الطيران حتى يومنا هذا في القرن الـ 21 وفي أوكلاند بكاليفورنيا ظل جورج بتنام ساهرًا لا يغمض له جفن ليلاً ونهارًا رافضًا بإصرار وعناد أن يفقد الأمل في عودة إميليا وظل يردد طول الوقت "أن أجنحة الطائرة كبيرة جدًا وخزانات الوقود الخاوية ستكون بمثابة عوامات ترفع الطائرة فوق سطح الماء كما أن بالطائرة قارب انقاذ يتسع لاثنين وهو مصنوع من المطاط الجيد وهناك أحزمة نجاة وصواريخ وبالون اشارات أصفر اللون كبير الحجم يمكن أن يظل طائرًا فوق الطائرة أو فوق قارب النجاة فلو كانت الطائرة قد سقطت بهما لظلا فوق الماء إلى ما لا نهاية "وفي 7 يوليو سلم رجل البريد السيدة بياتريس نونان رسالة مكتوبة بخط زوجها وتحمل خاتم البريد وقد جاء فيها "عشرين يونيو . . . أن إميليا فتاة رائعة وعظيمة وأهل للقيام بهذه الرحلة الخطرة وهي الطيارة الوحيدة التي لا أتردد في القيام معها بمثل هذه الرحلة الشاقة فهي إلى جانب أنها رفيق سفر ممتع تستطيع أن تواجه مصاعب الرحلة بشجاعة يحسدها عليها الرجال كما أنها تستطيع أن تقوم بكل ما يقوم به الرجال من أعمال . . . أجمع ملايين الناس على أنه لو كانت الشجاعة وحدها قادرة على دفع القدر المحتوم لعادت "إميليا إيرهارت" سالمة ويومُا بعد يوم كانت رسائل هواة اللاسلكي تتوالى بعضها يزعم أنه تلقى اشارات من إميليا وبعضها الآخر يدعى أنه سمع صوتها وجاءت تقارير من هونولولو" و"لوس أنجلوس" و"سان فرانسسكو" و"سيتل" و"وسنسناتي" عن مشاهدة صواريخ ثم مشاهدة حطام طائرة وزعمت سيدة ذات قوى روحية أنها تستطيع أن تحدد بدقة بالغة المكان الذي تطفو فيه الطائرة غير أن أجهزة الاستقبال القوية المركبة فوق سفن الأسطول الأمريكي التي كانت توالي القيام بعملية البحث والتفتيش لم تتلق أية اشارة لاسلكية واحدة وكانت هذه السفن تفحص بعناية ودقة كل اشارة وقد تبينت أنها اشارات خادعة . . .
توقف البحث وبعد أسبوع من البحث المضني أصبحت فرصة العثور على إميليا إيرهارت سندريلا الطيران والملاح الجوي نونان لا تتجاوز الواحد في المليون وفي 19 يوليو توقف البحث عنها نهائيًا وفض "جورج بتنام" رسالة زوجته وأعلن محتوياتها على العالم كله: "لقد قررت القيام بهذه الرحلة لمجرد الرغبة في ذلك فمن حق المرأة أيضًا أن تجرب القيام بما تحلم به من عمل كما يفعل الرجل تمامًا فإذا ما تعرضت للفشل مرة كان هذا الفشل حافزًا لغيري على مواصلة السير في هذا الطريق" فلا غرابة أن نالت إميليا إيرهارت كل هذا التكريم لقد احتفى بها الملوك والملكات والساسة وأعطتها فرنسا وسام اللوجيون دونير هذا إلى مختلف أنواع الجوائز التي نالتها والتي لا يحصل عليها إلا الأفذاذ العباقرة وفي حفل التكريم بدأت موسيقى البحرية تعزف أنغامها خرج الرئيس الأمريكي هربرت هوفر يسير نحو المنطقة في قاعة الدستور ومعه رئيس الجمعية الجغرافية وأحست إميليا أنها ضئيلة جدًا في هذا المسرح الكبير ونظرت إلى القاعة الفسيحة التي امتلأت مقاعدها بالحاضرين ولمحت بجانب المسرح سلة كبيرة من الزهور أرسلتها مسز هوفر زوج الرئيس.
وقدم الدكتور "جروزفتر" رئيس الجمعية الحغرافية الأهلية الرئيس هوفر إلى المستمعين البارزين ونهض الرئيس وفي يده الميدالية الذهبية وقد كتب على وجه منها "من الجمعية الجغرافية الوطنية إلى إميليا إيرهارت" أول امرأة في العالم تطير عبر المحيط الأطلنطي وحيدة مايو 20 – 21 سنة 1932 م قال الرئيس الأمريكي بفخر: "لقد كانت مس إيرهارت متواضعة قوية الروح وأعمالها ترفعها إلى مصاف طلائع النساء العظيمات ممن تتطلع إليهن أمريكا بعين الاعجاب تقديرًا لقوة شخصيتهن وروحهن الأخوية المرحة فيما يعملن لصالح العالم.
ثم قدم الرئيس الأمريكي جائزة الجمعية الجغرافية الأمريكية وكانت ميدالية الاستحقاق الذهبية فقد أتت بما لم تأت به امرأة قبلها ففتحت طريق الجو عبر المحيط وبذلك أنارت ميدانًا جديدًا لطيران النساء تبعها فيه كثيرات منهن "فالنتيناتر يشكوفا" وهي أول رائدة فضاء من روسيا ولطيفة النادي أول امرأة عربية مصرية في الطيران . . . وغيرهن كثيرات في العالم.