في إطار سعيها لتهويد مدينة القدس تاريخياً وجغرافياً وحضارياً أولت حكومات الاحتلال الصهيوني المتعاقبة، منذ السنة الأولى لاحتلال الشطر الشرقي من المدينة في الرابع من يونيو/ حزيران 1967 وحتى أيامنا هذه، اهتماماً كبيراً بقطاع التعليم باعتباره حلقة من حلقات مخططات تهويد المدينة، حيث اتخذت سلطات الاحتلال من قبل ما يسمى "وزارة المعارف الإسرائيلية" عديد الإجراءات بحق قطاع التعليم ومؤسساته والقائمين عليه لتحقيق أهدافها، من أجل فرض واقع جديد على المدينة، على أساس أن القدس أصبحت جزءاً من دولتها المزعومة. فوضعت يدها على جميع المدارس الحكومية ومديريات التعليم.
بعد أن ضمت سلطات الاحتلال مدينة القدس وأعلنتها مدينة موحدة وعاصمة أبدية لها عمدت إلى غلق المدينة في وجه سكان الضفة الغربية، ووضع قيود شديدة على مسألة دخول الفلسطينيين من سكان الضفة الغربية لمدينة القدس، بعد التمييز في لون ونوع وبطاقات الهوية الشخصية الخاصة بهم عن باقي مدن وقرى الضفة فكان أن حمل سكان القدس (هوية زرقاء) في حين حمل باقي سكان الأراضي المحتلة العام 1967 هوية برتقالية زمن الاحتلال (1967 – 1993) ثم خضراء (1993 حتى الآن).
وكان واضحاً أن الهدف الأساسي من ذلك الإجراء يتمثل في تأكيد فصل القدس عن الضفة الغربية والتخفيف من الوجود العربي اليومي داخل القدس ومؤسساتها.
وقد أثّر هذا الإجراء على مختلف مناحي الحياة في المدينة ومنها التربية والتعليم فالطوق (الإغلاق) المتكرر منع الكثير من الطلبة والمدرسين من الوصول لمدارسهم مما أضرّ بالبرامج التربوية والتعليمية.
ومنذ شهر آب/ أغسطس 1967 أي بعد شهرين من سقوط المدينة اتخذت حكومة الكيان "الإسرائيلي" عدداً من القرارات المتعلقة بقطاع التعليم في مدينة القدس والضفة الغربية المحتلة. حيث قررت فيما يتعلق بالقدس الإلغاء النهائي للبرامج التعليمية الأردنية التي كانت مطبقة سابقاً في مدارس المدينة وإبدالها بالبرامج التعليمية المطبقة في المدارس العربية في الأراضي المحتلة سنة 1948. إلا أن هذا الإجراء التعسفي لم يطبق على باقي مدن الضفة الغربية المحتلة، وإنما تم الإبقاء فيها على البرامج والمناهج والكتب التعليمية الأردنية بعد فرض تعديلات على عدد من الكتب الخاصة بالتربية الإسلامية والتاريخ والجغرافيا وقد كان في ذلك إشارة واضحة على تفرقة سلطات الاحتلال المتعمدة ضد مدينة القدس عن باقي مدن الضفة الغربية.
كما سعت هذه السلطات لفرض البرنامج التعليمي "الإسرائيلي" بصورة تدريجية، مع تضييق الخناق على المدارس الخاصة (الأهلية) وذلك بإصدارها "قانون الإشراف على المدارس رقم 5729 لعام 1969" والذي شمل الإشراف الكامل على جميع المدارس بما فيها المدارس الخاصة بالطوائف الدينية إضافة للمدارس الأهلية الخاصة.
كما فرضت على هذه المدارس وعلى الجهاز التعليمي فيها الحصول على تراخيص "إسرائيلية" تجيز لها الاستمرارية في ممارسة نشاطاتها، وكذلك الإشراف على برامج التعليم ومصادر تمويل هذه المدارس. عامدة في هذا السياق إلى تشوّيه الحقائق التي تضمنتها المناهج المقرة من قبلها، من ذلك الإساءة لديننا الحنيف وللأنبياء والرسل والحضارة العربية الإسلامية، وتزييف الحقائق التاريخية وطمس مادة العقيدة الإسلامية وتشويهها فرأت أن الإسلام هو "مجرد تربية روحية" وأن تاريخ الإسلام هو تاريخ فتن وكوارث وحاولت إقناع التلاميذ بالأفكار "الإسرائيلية". وعملت على تغييب السور المتحدثة عن بني (إسرائيل) والفساد في الأرض أو السور والآيات التي تحث على القتال والجهاد واستبدالها بتدريس التوراة و"الأساطير اليهودية".
وفي مادة الأدب العربي تم تغييب دراسة الشعر العربي في الجزء المتحدث عن البطولات العربية وعن فلسطين واعتماد مواد خاصة بما يسمى الأدب "الإسرائيلي" كقصص وروايات "إسرائيلية" عن المحرقة وغيرها.
أما في مادة التاريخ فتم تقسيم المنهاج المعتمد بتخصيص نصف المناهج للتاريخ العربي كما يكتبه ويراه المؤرخون "الإسرائيليون" والنصف الآخر خصص للتاريخ العبري واليهودي.
واستكمالاً لمشروعها التهويدي بدلت أسماء المناطق العربية بأسماء "إسرائيلية" مؤكدة ذلك في المناهج التعليمية، لترسيخ هذه الأسماء في أذهان الناشئة العرب. فكان أن حرفت أسماء المدن الفلسطينية الرئيسية من العربية إلى العبرية فأصبحت كما يلي:
- نابلس: شخيم وتعني في العبرية النجد.
- الخليل: هبرون وتعني الصعبة.
- بيت لحم: بيت لخم وتعني بيت الخبز.
- القدس: أورشليم.
وفي دراسة للباحث طاهر النمري بعنوان (إضاءات على التعليم الفلسطيني في القدس) بيّن الباحث أن السلطات "الإسرائيلية" منذ احتلالها لمدينة القدس في عام 1967م وهي تسعى جاهدة إلى تقويض قطاع التعليم وربطه بجهات التعليم "الإسرائيلي" إشرافاً وإدارة، عبر سلسلة من الإجراءات والقرارات السياسية ومن أهمها: ضم المدينة المقدسة بعد احتلالها مباشرة، وإغلاق مكتب تربية وتعليم محافظة القدس ونقله إلى مدينة بيت لحم، مما أفقد الجانب الفلسطيني حق الإشراف على المؤسسات التعليمية الرسمية والخاصة في مدينة القدس ومحافظاتها. وتبع هذا القرار إصدار الحكومة "الإسرائيلية" قراراً آخر يقضي بتطبيق القانون "الإسرائيلي" مما أسمته قوات الاحتلال بالقدس الموحدة، مما ترتب عليه "إسرائيلياً" إلغاء العمل بقانون التربية والتعليم الأردني رقم 16 لعام 1967 والذي يحدد النظام التعليمي، ويوجه المسيرة التعليمية ومؤسساتها التربوية، واستبدالها بالتشريعات والنظم "الإسرائيلية" لإلحاق المدارس الحكومية الثانوية بجهاز المعارف "الإسرائيلي"، إضافة إلى قرار ثالث أصدره ضابط التربية والتعليم في الحكمية العسكرية في بيت إيل (موقع عسكري يحتوي محكمة عسكرية يقع على الحدود الشمالية لمدينة رام الله) والذي يقضي بفصل مدينة القدس عن انتدابها في الضفة الغربية إدارياً ومالياً.
وفيما يتعلق بالقرار "الإسرائيلي" بالإشراف على جهاز التربية والتعليم الفلسطيني في المدينة المقدسة يرى النمري أن هذه المحاولة الجديدة تأتي استمراراً لمحاولات سابقة وتطبيقاً لقانون "إسرائيلي" يحمل رقم 564 لعام 1969م والذي أصدرته الحكومة "الإسرائيلية" ووافق عليه الكنيست الذي يقضي بحق إشراف كل من وزارة المعارف "الإسرائيلية" على التعليم بالمدينة ومؤسساتها الرسمية وغير الرسمية. وهذا القانون هو الذي يعتمد عليه "الإسرائيليون" في تبرير قرارهم الأخير بشأن السيطرة على جهاز التعليم الفلسطيني ومحاولة تهويده.
وقد بذلت سلطات الاحتلال في كافة مؤسساتها المحلية، الرسمية وغير الرسمية، سعيها الحثيث لتهويد التعليم والثقافة من خلال التأكيد على المحافظة على التراث والثقافة اليهوديتين ومحاربة اللغة العربية. وذلك استجابة لدعوات قادة الفكر الصهيوني المتطرف فبعد حرب يونيو/ حزيران 1967 ذكّرت صحيفة "دافار" الصهيونية بدور، ما أسمته، الشبيبة الطلائعية المحاربة التي تأسست سنة 1948 في "مكافحة اللغة العربية من أجل تهويد أرض "إسرائيل" وإرجاعها إلى سابق عهد الآباء والأجداد وتغيير المعالم الطارئة عليها من العرب ومن لغتهم الدخيلة".
وفعلاً توالت المخططات "الإسرائيلية" لطمس معالم الثقافة العربية والإسلامية في المدينة والعمل على إحلال الثقافة العبرية مكانها.
إلا أن هذه الإجراءات قوبلت بالرفض من قبل المدرسين العرب وتلاميذهم فوقعت العديد من المواجهات مع قوات الاحتلال، بعد أن أضرب المعلمون والتلاميذ عن التوجه إلى المدارس التي اكتست بصبغة عبرية. وأدى ذلك إلى اعتقال عدد كبير من المدرسين والتلاميذ والأطر التعليمية. مما دفع بسلطات الاحتلال إلى فتح ست مدارس بالقوة خلال الأيام الثمانية عشر الأولى من بداية السنة الدراسية عام 1967- 1968. كما عمدت إلى تعيين مدرسين جدد من حملة الشهادات الثانوية (البكالوريا) دون أن يكونوا مؤهلين للقيام بهذه المهمة، إلا أنها لم تتمكن من فرض إرادتها. واستمر هذا الإجراء أكثر من شهرين لتسمح بعد ذلك بتدريس المنهاج الأردني في المدارس الخاصة والمدارس التابعة لوكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، في حين طبق المنهاج "الإسرائيلي" في العام الدراسي 1968- 1969. وتم اعتماد المناهج "الإسرائيلية" المعتمدة في المدارس العربية داخل فلسطين المحتلة عام 1948 خاصة في المرحلتين الابتدائية والإعدادية وبقي هذا الحال حتى نهاية عام 1971.
أما في العالم الدراسي 1972- 1973 فقد اتبعت السلطات "الإسرائيلية" سياسة أخرى وهي استمرار تطبيق المناهج "الإسرائيلية" في الصفوف الابتدائية، أما في الصفوف الإعدادية والثانوية فتم اعتماد مناهج معدة من المناهج الأردنية والمناهج "الإسرائيلية".
وقد كانت تلك إشارة مهمة إلى أن سلطات الاحتلال لم تتمكن من تحرير المناهج التي أرادت، فتمت العودة للعمل في تدريس المناهج الأردنية في الضفة الغربية والقدس والمناهج المصرية في قطاع غزة، وذلك طبعاً بعد حذف كل ما يتعلق بتاريخ وحقوق الشعب الفلسطيني والنصوص المتعلقة بالصراع مع اليهود في الماضي والحاضر وآيات الجهاد والقتال وكل ما يشير إلى الوحدتين العربية والإسلامية، حتى الكلمات التي تشير إلى العزة والشجاعة فقد تم استبعاد كل ذلك بهدف عزل أبناء فلسطين عن قضيتهم وعن تاريخهم العربي الإسلامي المجيد وما فيه من بطولات وعبر.
إلا أن عزوف التلاميذ المقدسيين عن الالتحاق بالمدارس الحكومية التابعة للحكم العسكري "الإسرائيلي" أدى بالسلطات "الإسرائيلية" إلى التراجع عن تطبيق المنهاج "الإسرائيلي" بشكل تدريجي في المرحلتين الابتدائية ثم الإعدادية وأخيراً الثانوية وقامت بإعادة تدريس المناهج الأردنية المطبقة في جميع أنحاء الضفة الغربية ولكن مع الإبقاء على حصة اللغة العبرية في جميع المراحل إضافة إلى تدريس عدد من الكتب الدينية "الإسرائيلية" وكان ذلك في منتصف ثمانينات القرن الماضي، أي في العام الدراسي 86- 87.
وتقسم المدارس في مدينة القدس إلى ثلاثة أقسام حسب الجهة المشرفة عليها:
وهي مدارس حكومية تشرف عليها سلطات الاحتلال عبر ما يسمى "وزارة المعارف" من خلال بلدية القدس والمدارس الخاصة وتشرف عليها مؤسسات خاصة وإدارات أجنبية، وأخيراً المدارس التابعة لوكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) وتشرف عليها إدارة تابعة للوكالة ضمن اتفاق "إسرائيلي" مع الوكالة لإدخال التغييرات التي تقررها سلطة الاحتلال على المواد المدرسة فيها.
وتحتل منطقة القدس المركز الأول في النسبة التي يمثلها القطاع الخاص ويتمثل هذا الواقع في ارتفاع نسبة المدارس والطلبة والمعلمين في هذا القطاع عن نسبتها في كل المدارس الحكومية أو المدارس التابعة لوكالة غوث اللاجئين.
ويعود سبب ذلك إلى أن أهالي التلاميذ فضلوا تجنيب أبنائهم المدارس الحكومية الخاضعة لسلطة ومدارس وكالة الغوث، وتوجيههم نحو المدارس الخاصة التي تشرف عليها إدارات أجنبية وتدرس المناهج الخاصة ببلدانها (الفرنسية أو البريطانية أو الأمريكية) عبر عدد من المؤسسات الدينية المسيحية التي سمح لعدد منها أيضا تدريس المناهج الأردنية.
وقد أدى هذا الإقبال على المدارس الخاصة إلى قيام بعض الفعاليات الفلسطينية المقتدرة والحريصة على إبعاد الأجيال الفلسطينية الناشئة عن المخططات "الإسرائيلية" إلى إنشاء المزيد من المدارس الخاصة لاستيعاب أكبر عدد ممكن من تلاميذ أبناء منطقة القدس فيها بأسعار رمزية.
غير أن الإجراء "الإسرائيلي" في العام الدراسي 86- 87 القاضي بالتراجع عن تطبيق المنهاج "الإسرائيلي" بشكل تدريجي في المرحلتين الابتدائية ثم الإعدادية وأخيراً الثانوية وإعادة تدريس المناهج الأردنية المطبقة في جميع أنحاء الضفة الغربية، أدى إلى عودة التلاميذ نحو المدارس الحكومية والمدارس التابعة لوكالة غوث اللاجئين وتناقص المدارس الخاصة، مع أن القطاع الخاص لعب دوراً بارزاً في مقارعة المناهج "الإسرائيلية" والمخططات الصهيونية.
التعليم في القدس بعد اتفاقية أوسلو:
تعيش القدس اليوم في وضع متأزم من جميع جوانب حياة سكانها وفي مقدمتها النظام التعليمي ومشاكله المتأصلة التي نجمت عن تراكم السلبيات على مدى سنوات الاحتلال على امتداد السنوات الدراسية 1967 – 1993.
وكان أبرز هذه المشاكل وأهمها محاولات حكومات الاحتلال المتكررة والمستمرة لفرض المناهج "الإسرائيلية" على مدارس القدس العربية التابعة لسلطتها من خلال بلدية القدس.
في العام 1993م تم التوصل إلى إعلان المبادئ الفلسطيني "الإسرائيلي" الذي عرف باتفاق أوسلو، أو اتفاق غزة أريحا أولاً بعد محادثات سرية جرت في العاصمة النرويجية أوسلو وبشكل مواز لمحادثات واشنطن المنبثقة عن مؤتمر مدريد.
وتضمن إعلان المبادئ الذي وقع في 13/ 9/ 1993 (17) مادة و(4) ملاحق ومحضر اجتماع تناولت مجموعة من القضايا كالحكم الذاتي وبروتوكول إعادة انتشار للقوات "الإسرائيلية" من قطاع غزة ومدينة أريحا وبروتوكول "إسرائيلي" فلسطيني في القطاعات الاقتصادية والتنمية.
وعن موقع القدس في اتفاق أوسلو فقد كانت المدينة ضمن الموضوعات التي تم تأجيلها إلى مفاوضات الوضع النهائي ليتم بحثه فيه، حيث ورد في المادة الرابعة من الإعلان المشؤوم أنه تم استثناء الشطر الشرقي من القدس المحتلة عام 1967 من المناطق الخاضعة لسيادة السلطة الفلسطينية لكنه تم الاتفاق فيما بعد على أن يسمح لسكان القدس بالمشاركة في الانتخابات التشريعية الفلسطينية من خلال الإدلاء بأصواتهم في مكاتب البريد وأن يكونوا ممثلين في المجلس التشريعي.
هذه الخطوات جعلت وزارة التربية والتعليم الفلسطينية تولي اهتماماً لوضع التعليم في القدس فتم إعداد التقارير لدراسة الوضع التعليمي في القدس خاصة في ظل المحاولات "الإسرائيلية" المستمرة لإلغاء المنهاج التعليمي العربي فيها والعمل على فرض المناهج "الإسرائيلية" بدلاً منه.
ويلاحظ هنا أن عدد المدارس التابعة لسلطات الاحتلال ازداد عما كانت عليه قبل اتفاق أوسلو بأربع مدارس في حين انخفض عدد المدارس الخاصة إلى 32 مدرسة بعد أن كان 56 مدرسة مع بروز المدارس التابعة لوزارة التربية والتعليم الفلسطينية التي أوكل الإشراف عليها لدائرة الأوقاف وذلك بعد أن قررت حكومة الاحتلال العام 1997 فرض برامجها على المدارس العربية في القدس الشرقية.
ففي 3 حزيران/ يونيو 1997 ذكر المتحدث باسم بلدية القدس هاغاي إلياس لوكالة "فرانس برس" أن (إسرائيل) قررت فرض برامجها على المدارس العربية في القدس الشرقية بغية إنهاء تدخل السلطات الفلسطينية في النظام التربوي وأن لجنة وزارية مختصة بشؤون القدس قررت حظر البرامج الأردنية في مدارس القدس الشرقية وإحلال برامج "إسرائيلية" مكانها.
وأضاف: "إننا نعلم أن المدرسين يستخدمون كتباً أردنية وهذا الأمر سوف يمنع، وسيستخدمون الكتب التعليمية التي يستخدمها العرب في (إسرائيل) وذكر أن اللجنة قررت تغيير البرامج من أجل منع أي تدخل من جانب السلطة الفلسطينية في إدارة وتنسيق مدارس القدس الشرقية".
كذلك صرح رئيس بلدية القدس – حينها- ( إيهود أولمرت ) بأن أحد القرارات الهامة التي اتخذتها اللجنة الوزارية لشؤون القدس يقضي بأن تتولى دائرة التربية والتعليم التابعة للبلديات وحدها الإشراف على امتحانات التوجيهي (البكالوريا) في القدس الشرقية بعيداً عن أي تدخل للسلطة الفلسطينية، وأكد أنه تم تشكيل لجنة لتضع منهاجاً في المدارس العربية بالقدس الشرقية شبيهاً بالمنهاج الحالي المطبق في المدارس العربية داخل (إسرائيل).
أما "ديفيد بازايلان" الناطق باسم رئيس الوزراء "الإسرائيلي" (بنيامين ناتنياهو) في ذلك الوقت فقد قال (إن ثمة قلقاً أساسياً يتمثل في المدارس العربية في القدس الشرقية التي ظلت تتبع المنهاج الأردني منذ عام 1967 مع تغييرات طفيفة وإن هذه المدارس تستخدم خرائط لم يرد عليها كلمة "إسرائيل" وهو تعبير ضمني يرى في "إسرائيل" دولة غير شرعية).
وقد استهجنت السلطة الفلسطينية موضوع إحالة إشراف بلدية القدس على التعليم في القدس الشرقية باعتبار أن هذه القضية تربوية ولا يجوز تدخل البلديات فيها، حيث لا يتدخل في امتحان شهادة الثانوية العامة (البكالوريا) رؤساء بلديات في نابلس أو جنين أو خان يونس.
واعتبر مسؤول ملف القدس وعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية – حينها – المرحوم فيصل الحسيني أن إيهود أولمرت يعود بالناس إلى الوراء إلى وقت سابق أي لعام 1967 حيث أجواء الحرب والكراهية وقال: "إن الاقتراح لا يدمر عملية السلام فحسب، وإنما يدمر أي نوع من الأمل في التعايش".
ورداً على هذه الإجراءات "الإسرائيلية" أصدرت شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية بياناً جاء فيه: (إن القرار "الإسرائيلي" يعد منعطفاً خطيراً في مسلسل تهويد القدس وتغيير معالمها وطابعها العربي ومن شأن تنفيذه أن يؤدي إلى هجرة آلاف الطلبة من المدينة.
إن معركة الدفاع عن عروبة التعليم في القدس هو مهمة كل المواطنين الفلسطينيين وكل المؤسسات الرسمية والأهلية.
وفي هذا الصدد تؤكد شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية على عدة نقاط منها:
- رفض القرار "الإسرائيلي" بفرض نظام التعليم اليهودي على مدارس القدس باعتباره قراراً غير شرعي، وبشكل خاص امتحان البجروت "الإسرائيلي" الذي يعني إعادة العمل بمنهاج "إسرائيلي".
- العمل بكل الوسائل على عقد امتحانات التوجيهي "الثانوية العامة" في القدس وليس خارجها مهما كانت الضغوطات.
- رفض مبدأ الوصاية على شؤوننا التربوية والتعليمية في مدينة القدس المحتلة ومن حقنا إرجاع العصمة لاتخاذ القرار التعليمي لمؤسساتنا التعليمية التي أغفلتها حكومة "إسرائيل" في أعقاب حرب يونيو/ حزيران عام 1967م.
- عدم الاعتراف بقانون 564 لعام 1969م الذي يمنح سيطرة وزارة المعارف "الإسرائيلية" ودوائر بلدية القدس على شؤون التعليم العربي لمدينة القدس العربية وفرض مناهجها التعليمية على مدارسها).
وفي 16/ 6/ 1998م ذكرت صحيفة القدس تحت عنوان ("إسرائيل" تتراجع عن فرض برامجها التعليمية في مدارس القدس الشرقية): "ذكرت الإذاعة الحكومية أن الحكومة "الإسرائيلية" تراجعت في الوقت الراهن عن فرض البرامج المدرسية "الإسرائيلية" على الفلسطينيين في القدس الشرقية وقالت الإذاعة: "إن حكومة بنيامين نتنياهو أخذت بالاعتبار تحذيرات أجهزة الأمن التي أبدت خشيتها من وقوع أعمال عنف إذا طبقت "إسرائيل" مشروعها في الوقت الراهن". وتعطي البرامج "الإسرائيلية" مكاناً طاغياً للتاريخ اليهودي إضافة إلى اللغة العبرية ويكاد ينعدم فيها أي ذكر للتاريخ الفلسطيني".
وفي العام الدراسي 1999/ 2000م عملت سلطات الاحتلال على فرض المنهاج التعليم "الإسرائيلي" على 34 مدرسة في القدس المحتلة تخضع لإشراف دائرة المعارف في بلدية أولمرت وقد قررت البلدية كخطوة أولى حصر جميع الكتب التي تدرّس في مدارسها بمطابع خاصة داخل الكيان "الإسرائيلي" للحيلولة دون قيام السلطة الوطنية الفلسطينية بوضع شعارها بعد الطباعة والتغيير في بعض المفاهيم وحذف كلمة فلسطين أينما وجدت واستبدالها بكلمة (إسرائيل) وكذلك حذف كل ما يتعلق بالهوية الفلسطينية والأمة العربية.
ولا تزال حكومة الاحتلال "الإسرائيلي" حتى يومنا هذا تلوح بفرض مناهجها التعليمية في المدارس العربية في مدينة القدس الشرقية هادفة من وراء ذلك كله إلى تعميم العدمية القومية في مجالات الانتماء للقيم التراثية والحضارية والوطنية العربية. ولكن هيهات أن تنجح في مساعيها هذه، أمام عظمة صمود أهلنا في القدس المحتلة