أتاح أسلوب التصوير للمخرج السينمائي الفرصة لأن يحرر
المتفرج من التقيد بوجهة نظر واحدة فقط لما يراه , فهو يستطيع أن يري نفس الموضوع
من أكثر من زاوية , حيث تقدم له كل لقطة جديدة زاوية جديدة يراها من خلال
عين الكاميرا المتجولة دوماً . ومن أحد المفاهيم الأساسية في صناعة السينما
هي أن الكاميرا كثيرة الحركة تُبقي
المتفرج في حالة إثارة دائمة .فبالرغم من أنه يكون جالساً مستريحاً في مقعده , إلا
أنه يفضل الانتقال من مشهد لمعركة حربية , إلي حجرة صغيرة تضم عاشقين ,
ومن ثم إلي حقل ريفى ملئ بأعواد الذرة مثلا , لأن ذلك يشعره بأنه في حالة
حركة دائمة ويحرره من قيود المكان . وبوجه عام يجب على
المخرج جذب
انتباه المتفرج إلي أهم العناصر في الكادر في أية لحظة من الفيلم , فهذه القاعدة هي جوهر
فن االأخراج . وربما يكون هذا العنصر شخصاً أو شيئاً أو مكاناً , المهم أن
عليه أن يقرر قبل التصوير الأولويات الدرامية التي سيقدمها للمتفرج .
ونستطيع أن نقول أن هناك طريقتين أساسيتين لأخراج أي موضوع :الأولي : هي
تغيير وضع الكاميرا حتي تصبح علي مسافة مناسبة من الموضوع والتقاط صورته
بالعدسة المناسبة .والثانية : هي تغيير العدسات من لقطة لأخري , مع اختيار
العدسة ذات البعد البؤري المناسب , دون تحريك الكاميرا .
ومن الواضح أن الاختيار الثاني هو الأسهل , لكن المشكلة أن العدسات غالباً
ما تتسبب في حدوث نسبة تشوه للصورة . فبالرغم من أن عدسة الكاميرا تشترك
مع العين البشرية في بعض المواصفات , إلا أنها تختلف عنها في صفات أساسية .
ففى حين نجد الكاميرا لا تفرق بين الأشياء , ولا يمكنها رؤية العمق
الحقيقي للصورة كما تشوه المنظور , نجد أن العين البشرية تميل إلي انتقاء
ما تراه , ومايجذب
انتباه صاحبها , وتجاهل كل ما ليس مهماً .
لهذا السبب يجب أن يراعي
المخرج اختيار العدسات في حدود إمكاناتها , بل ويحاول التقريب بين طبيعتها وطبيعة العين البشرية الاختيارية , وإبراز ما يهم
المتفرج في السياق الدرامي والفني للفيلم , وفي نفس الاتجاه أيضاً يجب أن تسير
حركة الكاميرا والممثلين . كما أنه يمكن للمخرج أيضاً استغلال عيوب
العدسات في خلق تأثيرات بصرية ونفسية علي الشاشة .
أى أنه يجب علي المخرج أن يجذب عين المتفرج
إلي العنصر الهام في اللقطة من خلال التصميم المدروس للعناصر البصرية
المجتمعة داخل الكادر . فمع المساحة الكبيرة لشاشة السينما , يمكن أن تقع
عين المتفرج بسهولة علي أية نقطة علي الشاشة بعيداً عن الممثل أو الموضوع الذي يجب الانتباه إليه , إذا لم يقم المخرج بالتحكم بقوة في جذب انتباهه . ومن العوامل المؤثرة في توجيه نظر المتفرج , وبالتبعية توجيه انتباهه : 1- الحركة :
تعتبر الحركة في حد ذاتها عنصراً هاماً في تكوين اللقطة , ربما يفوق بقية
العناصر إذا كان بالقوة الكافية . ويمكننا تعريف الفيلم السينمائي مقارنة
بالصورة الفوتوغرافية بأنه مجموعة من الصور في حالة حركة دائمة , سواء
كانت ناتجة عن حركة الكاميرا , أو الموضوع المصور , أو الاثنين معاً .
وتكون الحركة جذابة للغاية للعين إذا كانت مبررة وقوية , إلي حد أنه يمكنها
التغطية علي أية مشاكل أخري في تكوين الكادر . والحركة الأفقية التي يعبر فيها الموضوع الشاشة بسرعة هي أكثر حركة يمكنها جذب انتباه المتفرج
, ويأخذ نفس القدر من الاهتمام التحرك من خلفية الكادر إلي أمامه قطرياً .
وإذا تزامنت الحركتان معاً , فسوف يحوز الموضوع الأكبر حجماً في الكادر
والأسرع , قدراً أكبر من انتباه المتفرج , أو سيتوزع اهتمام المتفرج
بينهما بالتساو. لكن هناك استثناء يخص قدرة الحركة بوجه عام علي جذب
الانتباه . فمثلا إذا كانت كل العناصر في الصورة في حالة حركة , عدا عنصر
واحد , يكون هو الأقرب إلي جذب انتباه المتفرج
. وينطبق هذا الاستثناء أيضاً علي الموضوع الذي يتحرك في اتجاه معاكس
لحركة مجموعة ضخمة من الموضوعات , مثل رجل يحاول شق طريقه مواجهاً حشود من
الناس تهرب من حريق مثلاً . ولا يقل شكل الحركة
أهمية عن شكل الموضوع نفسه داخل تكوين اللقطة , فمن الممكن أن يتحول تكوين
جيد ثابت إلي تكوين غاية في السوء بمجرد أن يتحرك الموضوع المصور إذا لم
تكن حركته مرسومة مسبقاً ومحددة بدقة , لذا يجب أن تتحدد بداية ونهاية
الحركة , والطريق الذي سيسلكه في كل لقطة . لذلك أثناء تصوير مشهد من عدة
لقطات لموضوع يتحرك بسرعة , يجب على المخرج أن يراعى تكرار نهاية الحركة التي تحدث في اللقطة الأولى في بداية اللقطة التالية , لأن عين المتفرج
تميل إلي الاحتفاظ بالجزء الأخير من الحركة الأولي , لذا يجب أن تبدأ حركة
الموضوع في اللقطة الثانية من نفس المكان الذي توقفت عنده الحركة في
اللقطة الأولي( تكرار الحركة ) , سواء كانت وسيلة الانتقال هي القطع , أو المزج . . كما يجب على المخرج أيضاً استبعاد أية حركة غير هامة في اللقطة , حتي لاتشتت انتباه المتفرج وتحوله عن النقطة المطلوب النظر إليها . فكلما كانت اللقطة أكثر ثباتاً كلما كانت أية حركة بسيطة ملحوظة . ومن
الممكن أن تضيف حركة الكاميرا أيضاً إلي الطاقة الحركية للَقطة , ولكن يجب
أن يكون هناك في دراما اللقطة ما يدفع الكاميرا إلي التحرك , كما لا يجب
أن يتم تحريكها بدون مبرر . 2- الإضاءة :
يجذب الموضوع المضاء بشكل أقوي عين المتفرج
أكثر , كما أن الألوان الفاتحة تجذب العين أكثر من الداكنة . فعلي سبيل
المثال يمكن أن يجذب شخص يرتدي ملابس بيضاء ويمتطي جواداً أبيض العين , حتي
إذا كان محاطاً بعشرات الأشخاص في نفس الحجم والوضع داخل الكادر . وكلما
كانت إضاءة المشهد خافتة , كلما كان إدراك المتفرج
للنقطة المضيئة أكبر . إلا أن هذه القاعدة تنعكس إذا كانت خلفية الصورة
شديدة البياض , مثل أرض مغطاة بالثلوج , حيث يكون الجزء الداكن في الصورة
هو الأقرب لإدراك المتفرج . المصدر
http://www.arabfilmtvschool.edu.eg/